أهل عبدوكه/سيد محمد

أهل عبدوكه

في الأسطورة المؤسسة أنه ذات لقاء افتراضي في مدينة زاره المالية أفرغ عفريت من الجن مرارة أيامه في رحم امرأة من (إفلانْ) فكان (انْوَفّلْ).

وذات زيارة للأمير اعل ولد أعمر سلطان أولاد امبارك إلى مدينة زاره ، لأخذ إتاوة الذهب ، اشتكى له شيخ زاره من معاناتهم مع (انْوَفّلْ) فنفاه الأمير اعلِ إلى (اعوينات الراجاط) عشرة كيلومترات جنوب مدينة النعمة.

تعرّف انوفل على الفلانية (فاطمه للي) ، فكان يتنقل بين زاره وجبل الراجاط كانت له آلة أحادية الوتر تسمى (أم ازغيبَه) تشبه التدنيت لكنها أصغر ولها وتر واحد .يعزفها في طريقه.

ذات رحلة شق (انْوَفّلْ) سفح جبل الراجاط  (گدح الرگ) مثيرا النقع في عرض الغور فبصر به فرسان من أولاد امبارك كانوا سبعة وثامنهم الفنان الكبير محمد ولد بوعريف مبدع لكنيدية كانوا على ثماني اجريبات من خيل أولاد امبارك العتاق.
تبعوه فألفَوه نوفّل  (يخبط) اعل (أم ازغيبه) ويردد (جَرِّ يانَ انوَفّلْ  جَرِ يَانَ انوَفّل) 
حاذى ولد بو اعريف بفرسه انوفل حتى سمع الردات فوعاهم وأعاد عزفهم.
وحين رجعوا إلى حلة أهل هنون ولد بوسيف ، عزف محمد ولد بو اعريف الردات لإيگاون فوجدوهم ضربا جديدا ليس في الجانبة الكحلة ولا في البيظة فسماه الفنان اعلي انبيط ول حيبل ول آگمتار (لگنيدية) وأعاد عزفه.

أول ما تأسس من لگنيديه هو كرها وبدأ بـ(مشي انْوَفَّلْ) ويشوهد بـ (الخط يبقى زمانا بعد موت كاتبه):
يارب شاعر يالمجيب :: وَسَيْتُ فالدّنيَ لونُ
ما مطلوص الله اتجيب :: الريح الحمره من دونُ

ينحدر أهل عبدوكه من أصل مشظوفي صميم، فهم من أهل أحمد بن سيدي بن محم بن بگو.
يقول بول مارتي: "ولمجاهرتهم بمعارضة أهل لمحيميد. ولما كان أهل سيدي مشهورين بين سائر مشظوف بأنهم أكثر رجال الحرب بسالة كان من اللازم على أهل لمحيميد قبول هذه الثورة الضمنية أو الطاعة النسبية"

وقد انفصل أهل عبدوكه عن أولاد محم طبقا لاتجاهاتهم وميولهم في إقامة كيان منفرد لهم بصورة دائمة، وعرفوا بالبسالة وأصبحوا أكثر شهرة من فخذ أهل سيدي نفسه، وانخرط أفرادههم في مقاومة المستعمر الفرنسي بقيادة  امحمد وأبنائه الشيخ وإزوين وفاليلي.

بدأت مقاومة  أهل عبدوكه للمستعمر سنة 1911 م وبقت سرية وكبّدت المستعمر الكثير من الخسائر المادية والبشرية، وأثناء تلك المقاومة السرية القوا القبض على امحمد بن عبدوكه مرتين  إحداهما بداية 1912، وأرسلوه إلى تمبكتو وأطلق سراحه.
وفي نهاية عام  1912 اعتقل  للمرة الثانية بسبب اتـهامه بقتل حرسي عند "الفرفرات" قرب اشميم، وحاكمه الفرنسيون هو وابنيه ازوين وفاليلي، وتمت تبرئة ازوين وفاليلي وحكم على امحمد بالإبعاد  إلى "شقاصو" في دولة مالي، ومصادرة ممتلكاته ومن بين الممتلكات التي صودرت بئر اشميم.
ونظرا لغياب الأدلة المادية التي تدين امحمد، قرر الحاكم الفرنسي "وليام بونتي" إطلاق سراحه بعد مدة قصيرة.

تواصلت المقاومة وعلى بعد حوالي عشرة كيلومترات جنوب مدينة النعمة، حيث ينتصب جبل الراجاط المهيب، اتخذ أهل عبدوكه من متاهة كهوفه ملجأ مفضلا، لما سيعرف بمقاتلي "الكديه" لمكديّين.
وفي ظروف صعبة للغاية، خاض "أهل الكديه" معارك بطولية ضد المستعمر امتدت على مساحات شاسعة من ضفاف نهر النيجر شرقا وحتى هضاب النعمة في الحوض غربا وصحاري تگانت وفي منطقة آدافر،  وخاضوا معارك في " الفرفارات، تگيگل، الشلخه، زوروقو، اجريف، انيايه، اخويبت الما، كوصه، ريني وولاته، وابرازح.."

لجأ أهل عبدوك لأسلوب الهجمات على قوافل التموين القادمة من السودان الفرنسي "مالي" وكانت العامة من الناس مؤيدين لأهل عبدوكه يمدونهم بالسلاح والغذاء والدواب ويضمنون لهم اللجوء في أحيائهم بل ويخبرونهم بتحركات المستعمرين فتعرض الأهالي لحملة قمع منها قيام الاحتلال بقطع رأسي شخصين عند أحد الأبار المشهورة في "مبروك يداس" بمنطقة عدل بگرو، بعد أن نفيا معرفتهما بمكان وجود أهل عبدوكه.

ومن أشهر المعارك التى خاضها أهل عبدوكه معركة "زوروقو" التي تمكن من خلالها رجال المقاومة من القضاء على سرية فرنسية بكاملها.
علمت القوات الفرنسية بورود أفراد من المقاومة "بئر البدع" 30 كم شمال تمبدغة فقامت سرية من الجيش الفرنسي مدعومة بمجندين "گوميات" بتقفي أثرهم نحو الجنوب فسلكوا طريقا يمر ببئر المالحة و بحيرة أمات والتيكاتن و أكنكاي وبيرة ولكليوات الشرقيين وأخيرا عزز أفراد المقاومة مواقعهم في كمين حول بحيرة "زوروقو" وعندما ورد أفراد السرية الفرنسية البحيرة باغتهم رجال المقاومة وبعد معركة شرسة تمكن رجال المقاومة من القضاء على السرية الفرنسية مع الضابط الفرنسي قائد السرية.
قام إزوين ولد عبدوكه بربط " كرشْ "معدة القائد الفرنسي بحبل في غصن إحدى شجر " أمور" وصب فيها الماء وهي تتدلى إلى أن لامست الأرض دون أن تنقعر فكان ذلك بالنسبة له دليلا على مدى قوة معدة الإنسان.

في السادس من فبراير 1916 فاجأوا قافلة البريد الذاهبة إلى تمبكتو واستولوا عليها. وفي 21 فبراير إلى الشمال من النعمة هاجموا قافلة تحمل أموالا موجهة من النوارة إلى ولاتة، وقتلوا في 23 فبراير فريقا مؤلفا من ثمانية رماة وعريف كانوا عائدين من إنيافونكه.

وقد تعرضت المقاومة لهجومين 13 و 14 مارس سنة 1916، كما هاجموا قوات "القوم" المكلفة بحماية ولاتة تحت أوامر النقيب كاربو Carbou ومفرزة الهجانة القادمة من تشيت بقيادة النقيب ماركيني Marquenet وأدت هذه الهجمات إلى توزيعهم إلى عدة مجموعات صغيرة كان يقودها امحمد بن عبدوكه وابناه الشيخ والزوين تعمل بين النوارة والنعمة وعلى ضفاف نهر النيجر ؛ ومرة، بينما كانت إحدى هذه المجموعات تحاول مباغتة قوة من حرس الدائرة قرب مركز النوارة العسكري كانت أخرى تستولي في ليل 29 إلى 30 إبريل على مكتب التلغراف في بودوبادي حيث قتلت الجابي المحلي وابنه وأتلفت خط التلغراف عند "خوبة الما" على مسافة طويلة نسبيا، يقول زيني:
عنكْ يالسِّلْكْ امْشِي گولهَا..
لخويبَه اخلات :: وانگطع مولها
ولا بتنات :: نولو لها

ذات حصار اخترق المقاومون قوات العدو ونجحوا بفضل معرفتهم الجيدة بتضاريس المنطقة، من الاقتراب منهم بشكل كبير، زحفا على بطونهم. وحكى الشيخ أن أخاه ازوين كان معروفا بسرعة الضغط على الزناد ؛ ولكي يجعله ينتظر الوقت المناسب، قرر أن يمسك باستمرار بفوهة بندقيته، خلال مناورة الاقتراب من  جنود الاستعمار، تجنبا لإطلاق نار غير محسوب. أشار الشيخ بسرعة إلى كل مقاتل بهدفه وأعطى الأمر بإطلاق النار، فتم قتل ثمانية جنود على الفور وغنم أسلحتهم،.
وظل الوادي الضيق الذي لقي فيه الجنود الاستعماريون الثمانية حتفهم، يحمل اسم "شلخة اصنادره" (وادي الجنود)، جنوب شرق الراجاط على بعد حوالي 25 كلم.

وبعد مجالدة طويلة للمستعمر تناقص عدد المقاومين ليقتصر على امحمد ولد عبدوكه، وابنيه الشيخ وازوين وبعض الخُلّص رابطوا وصابروا إلى الشمال من منطقة چاچ؛ ثم قرروا الالتحاق بمخيمات مشظوف عند  گاسي لكلال، ليقرروا تسليم نفسهم ضمن تسوية حدثت مطلع يوليو 1916 ليدخلوا السجن في بله.
وبعد وقائع المحاكمة تم الحكم على امحمد بن عبدوكه وولديه الشيخ والزوين بموجب قرار صادر في 6 نوفمبر سنة 1916 بالسجن عشرة أعوام يقضونها في لاكوتا في مستعمرة ساحل العاج.

أثناء الاعتقال في ظروف سية للغاية توفي امحمد ولد عبدوكه وابنه ازوين، بسبب مرض فقر الدم والديزانانتاريا والزحار؛ فقد توفي امحمد رحمه الله في الثاني من فبراير 1918، وتوفي ازوين رحمه الله يوم الثاني عشر من فبراير سنة 1918، وبقي الشيخ رهن الاعتقال.

وحسب الرواية الشعبية، فقد سلط الله على الفرنسيين حيوانا مفترسا يخرج من البحر، وكان كلما خرج التهم أحد الجنود، فاستوطن الهلع نفوسهم، وسألوا الشيخ بوصفه فارسا وراميا بارعا إن كان بإمكانه قتل ذلك الحيوان المفترس، فقال إن بإمكانه فعل ذلك لكن بشرطين:
الأول: أن يظل أياما وهو يتلقى غذاء جيدا حتى يستعيد نشاطه.
والثاني أن يدخل إلى مخزن السلاح ليختار بنفسه البندقية التي يرى أنها ملائمة لقتل ذلك الوحش، فوافقوا على الشرطين.

اختار الشيخ بندقية ذات ماسورتين ووقف على الشاطئ ينتظر خروج ذلك الحيوان المفترس، وما إن لاح له حتى جعل رصاصتين متتاليتبين بين عينيه فخر صريعا.

أعجب الفرنسيون ببسالته ونقلوه من كوت ديفوار إلى السنغال، وأودعوه السجن بجزيرة گوريه "Gorée"قرب داكار، وعبروا عن رغبتهم في إطلاق سراحه لكن بشرط أن يجدوا من يضمن لهم عدم عودته إلى قتالهم.

علم الشيخ بابَ ولد الشيخ سيديَ عن طريق تلميذ له من حراس السجن يُسمَّى (صَنك تام)، كان مسيحيا ثم أسلم على يده. بالخبر فسعى لدى السلطات الفرنسية لإطلاق سراحه، فقبلوا، بعد لأْي، أن يذهب سنة 1920 إلى أبي تلميت ليقضي بقية مأموريته.

اقترح عليه البعض الذهاب إلى أهله في الحوض، فقال گافه المشهور:
گبلَ مثبوتَ :: بابَ بابِيها
وأتوا البيوتَ :: من أبوابها

مكث المجاهد الشيخ ولد عبدوكه، سنة وستة أشهر مُعزَّزا ومكرّما في ضيافة الشيخ بابَ ولد الشيخ سيديَ، ثم سلمه للشيخ التراد ولد العباس القلقمي فمكث معه سنتين في آگوينيت.

وبعد سنتين مع الشيخ التراد عاد إلى أهله (مضارب قبيلة مشظوف) لكن مياها  كثيرة كانت قد جرت تحت جسر الزمن، فرجع إلى الشيخ التراد وألقى عصا التسيار واستقرّت به النوى.

كامل الود

سيد محمد