الدرس الذي تلقنه موريتانيا لجيرانها في منطقة الساحل

*الدرس الذي تعلمه موريتانيا لجيرانها في منطقة الساحل*

هناك في صمت موريتانيا درس يرفض الضجيج الساحلي أن يسمعه. فبينما تضاعف المجالس العسكرية في باماكو، أوغادوغو ونِيَامَي خطاباتها الملتهبة عن «السيادة المستعادة» و«الانقطاع التاريخي»، فإن موريتانيا تبني سيادتها منذ سنوات دون طبل، دون أبواق، ودون أعداء معينين. مجرد نتائج: لا هجوم إرهابي كبير منذ أكثر من عقد في منطقة الساحل التي تحترق من كل جانب.

هذه الاستثناءات  ليست معجزة، بل هي اختيار سياسي. فقد فهم العسكريون الموريتانيون قبل أقرانهم ما هو الساحل حقًا: ليس أرضًا فارغة لتسيطر عليها القوة الغاشمة، بل فضاء اجتماعيًا معقدًا تتداخل فيه القبائل والتهريب والولاءات منذ قرون. بدلاً من إرسال قوافل مدرعة في عمليات مبهرة وغير فعالة، نشرت نواكشوط قواعد متقدمة مستقلة، عهدت بها إلى ضباط يعرفون الرموز المحلية، يتحدثون اللغات، ويفهمون الديناميكيات القبلية. لا يوجد ارتجال عسكري، ولا تكبر تكنولوجي: بل وجود إنساني، متجذر، صبور.

هذا النهج قطع الطريق أمام الجهاد قبل أن يتجذر. بينما حولت جيوش أخرى مواطنيها إلى أعداء محتملين، استثمرت موريتانيا في الذكاء الإقليمي. لأن العسكريات وحدها لا تقضي على الإرهاب، والأمثلة على فشل الجيوش المجهزة تجهيزًا عاليًا من الولايات المتحدة وروسيا في أفغانستان واضحة.

موريتانيا واسعة مثل مالي، لكنها تمكنت من محاربة الإرهاب على أراضيها دون اللجوء إلى مرتزقة روس أو أتراك ودون الاستثمار في المدرعات والطائرات بدون طيار. لم يتم نشر أي قوة دولية في موريتانيا لمحاربة الإرهاب، بينما اختار مالي، النيجر وبوركينا الاستخدام المفرط للقوة العسكرية كإجابة حصرية. موريتانيا جرأت على التفكير غير المسبوق: التحاور مع الإيديولوجية الجهادية على أرضها، أي الدين.

التقى أئمة مدربون بمقاتلين أسرى لفك شرعية القتال من خلال النصوص القرآنية. لا تعذيب، لا اختفاء: نقاش بالأفكار باستخدام أدوات الإيمان. النتيجة: عشرات من التائبين أعيد إدماجهم، خطاب ديني وطني متسق، وانتصار رمزي حاسم: فقد الجهاد غطاءه المقدس حيث لا يزال يغري في أماكن أخرى.

فهمت موريتانيا أن الرصاص يقتل الرجال، لكن الأفكار فقط هي التي تقضي على الإيديولوجيات. بينما تحولت الثكنات الساحلية إلى قصور رئاسية، اختارت الجيش الموريتاني البقاء في دوره. بالطبع شهدت موريتانيا انقلاباتها الخاصة، آخرها في عام 2008. لكن منذ ذلك الحين سادت الانضباط المؤسسي. لم يخلط الضباط الموريتانيون بين السلطة والاستعراض. فهموا أن الشرعية العسكرية لا تُعلن أمام حشود مبتهجة، بل تُبنى في الثكنات، في الانضباط، في الولاء لمهمة واضحة: حماية الوطن، وليس الحكم بالقوة.

هذه السكينة المؤسسية حفظت موريتانيا من دوامة الانقلابات المتكررة التي تدمر جيرانها. لا يمكن لدولة أن تكون مستقرة عندما تغير جيشها دوره كل خمس سنوات. موريتانيا لم تصرخ ضد فرنسا. ولم تقسم الولاء الأبدي لموسكو. ولم تجعل من كل اتفاق تعاون فعل إيمان أو خيانة للإعلان. بينما يحول جيرانها الدبلوماسية إلى مسرح ثوري، تمارس نواكشوط عدم الانحياز الوظيفي: التعاون مع من يخدم مصالحها الوطنية، البقاء محايدة عند الضرورة، التفاوض دون إذلال.

هذا النهج ليس مثيرًا للإعلام. لا ينتج مقاطع فيروسية ولا خطابات ملتهبة. لكنه يضمن ما لا تضمنه المواقف: بقاء الدولة، وليس مجد قائد عابر. في ساحل اليوم، خلط البعض بين السيادة والعزلة، بين الفخر والإغلاق، بين المقاومة والعمى الاستراتيجي. السيادة ليست بغلق الأبواب. ليست بتعيين عدو خارجي لإخفاء الفشل الداخلي. ليست خطابًا، ولا شعارًا يُردد في الملاعب. السيادة هي القدرة على اتخاذ القرارات لنفسك، وهذه القدرة لا تتحقق إلا بالكفاءة، والانضباط، والمعرفة بالواقع.

بينما كان الآخرون يصرخون «نحن لا نحتاج لأحد»، كانت موريتانيا تدرب أئمتها، ضباطها، وعملائها الاستخباراتيين. بينما كان الآخرون يهينون السفارات، كانت تتفاوض على شراكات مفيدة. بينما كان الآخرون يحاصرون أنفسهم بالاضطهاد، كانت تعزز دولةها.

لنكن صادقين: موريتانيا ليست جنة. إنها لا تزال هشة اقتصاديًا، تعتمد على الموارد الاستخراجية، تواجه الفقر المستشري وتحديات ديمقراطية حقيقية. قضية العبودية ومخلفاتها لا تزال جرحًا مفتوحًا. كما أن جغرافيتها تساعدها: واجهة بحرية على الأطلسي، موقع أقل مركزية في تدفقات الجهاد مقارنة بمالي أو بوركينا. نجاح موريتانيا ليس استراتيجيًا فقط، بل جغرافيًا أيضًا. لكن هذه التفاصيل لا تبطل الدرس: في ظروف مشابهة أو أسوأ، اختارت موريتانيا طرقًا مختلفة وما زالت واقفة.

الساحل يحترق، وموريتانيا تبقى واقفة. ليس ذلك صدفة، بل نظام. نظام يقوم على الذكاء ضد الغرور، الصبر ضد الشعبوية، العمل ضد الضجيج. إذا كانت الثورة الحقيقية في الساحل ستأتي، فقد لا تأتي من الخطابات الملتهبة للعواصم المتوترة، بل من الصمت الفعال لنواكشوط. لأن في النهاية، السيادة الأقوى هي تلك التي لا تحتاج إلى الصراخ لتوجد.

سانبو سيسيغوا