التّرواغْ
الترواغ ظاهرة أدبية غريبة ومميزة في الأدب الحساني، مستوحاة من عادة اجتماعية قديمة ؛ فقد كانت العادة تقضتي بأن تختطف صديقات العروس العروس نفسها بعد اليوم الأول من الزواج، ليبدأ الزوج رحلة بحث طويلة قبل أن توافق صديقاتها على شروط العودة.
هذه الطقوس، التي كانت جزءا من الموروث الاجتماعي، انتقلت مع المجتمعات البدوية إلى المدن نهاية القرن الماضي ، لتبقى آثارها في الذاكرة الثقافية، بل وتجد لها مرافقا مماثلا في بعض المجتمعات الإفريقية الزنجية حيث يقوم الرجال بممارسات مشابهة قبل الزواج.
يمكن تتبع ظاهرة الترواغ في الأدب الحساني إلى نصوص قديمة نسبيا تؤرخ لها، مثل نص المختار ولد مولاي أعلي الذي يمثل شهادة تاريخية على هذه العادة الإجتماعية :
اݣبيل امشاو الرواغات ،، واترجلات الحيّة وامشات
فاثْر الرّواغاتْ ودَمْرَاتْ ،، لثرْ إلين اسَّݣمْ واظهرْ
ݣصيناهم لين اخيَمات ،، الشّرْفَة من فمْ استخْصَر
والتحقو من فم ابوحْداتْ ،، اخْرات وكِردُو يمْ أوخر
وݣطعُو هومَا زاد اصحاحاتْ ،، لبحَر من ݣد اݣصَر لكوَر
واعݣبنَا ريناهمْ والاّتـْ ،، ـݣلّبنَا بيهم من لبْحر
والحݣنَا لبحر فَتْرانات ،، والهَدّام إغيّسْ واغجَر
وغاستْ مسكينَة ماشفرات ،، البتول فلبحَر لخْظر
وافهاذا ظلّينَا دِفّاعْ ،، واجبرْنَا يوم اللهْ أكبر
غير أطَمْ الّلي رينَا ݣاعْ ،، امغاسْ البتول افلبحرْ
أمّا أدبيا، فقد ابتدع الشباب الترواغ في الأدب الحساني كفن جديد قبل عشر سنوات تقريبا ، يقوم على تضمين لمغنّي لتبريعة مشهورة في آخر نصه ؛ أول من ابتكر هذا التجديد هو المبدع الشريف ولد السيد، حين دمج تبريعات شهيرة في نصوصه ، محافظا على البنية التقليدية للتبريعة مع فتحها على صور ومعانٍ جديدة.
وأجمل ما قيل في هذا الفن هو ما قدمه لمغنّي افكو ولد الشرف، إذ أبدع في توسيع معنى التبريعة القصيرة إلى طلعة غنية بالصور العاطفية والحنين، مع الاحتفاظ بالمغزى الأصلي، كما في نصوصه الآتية .
ففي هذا النص مثلا يقوم بترواغ تبريعة :
مرّي يالصّدفة ،، رديتيني عمان اݣفى
حيث يظهر كيف أن صدفة بسيطة كافية لإعادة لمغني إلى سنوات مضت، فتستحضر له مشاعر وأصوات يعتقد أنها قد ولّت مع الزمن، في إشارة إلى قوة الموسيقى والتراث في استدعاء الذاكرة :
آنا بَيْݣي كنت امّاسيهٔ ،، عمَانُو ݣفّاوْ وناسيهْ
كنتْ، وناسي كنتْ أهاليه ،، والبارحْ فاعيون المَݣفَة
رَكّبْ نَوْ أَبْريحُو تمْرِيه ،، ”والبرّاݣة تَحتُو ردفَة“
واݣبِظْتْ أَحْوَيْلِي لاهِي بيهْ ،، أَنْعَدّلْ دونْ النّوْ أَدْفَى
شالتْ وذني صدْفَة ردّاتْ ،، من بَيْݣي ”مرّى يَالصّدْفَة
ردّيْتينِي- كيفتْ مُلاتْ ،، التبريعة - عمانْ أݣفَى“
وفي ذات السياق أيضا يقوم بترواغ تبريعة شهيرة وهي :
تݣلاب الصّورة ،، مايرجع بالدّهر اللورة
ويستحضر تقليب الصور كرمز للحنين والماضي الذي لا يعود، فيعبّر عن فقد واشتياق عميق لشخص فارقه بعد زمن طويل:
من عاݣبْ دهرْ اطويلْ أمعاهْ ،، فوتّو؛ مانݣدرْ ننسّاهْ
ذَ هُوّ يعْطيه التنزّاهْ ،، فارقْنِي دونْ المَشُورَة
وانَا ماعنْدى تَيْتْ أورَاهْ ،، منْ شِي لاهي منّو يُورَا
كونْ انْكّلّبْ صورَة منّو ،، ففيسْ و”تݣلابْ الصورة
ݣالتْ وحدة فاتت عنّو ،، ما يرجع بالدهر اللّورة“
دمتم سالمين