العلامة الشاعر القاضي أحمد ولد حكي (أبي)
ترجمته:
هو أحمد بن عبد الرحمن الملقب حام بن خطري الملقب حكي بن أحمد طالب بن جدو بن أخليفه بن الطالب مصطف القلاوي حيث ينتهي نسبه إلى الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه و من ذرية ابنه محمد.
و يقول هو ناظما نسبه:
احمد نجل عابد الرحمن سليل خطري ثبتن إيمان
و بعده احمد طالب الأغر سليل جدو فالخليفة الابـر
فالطــــــــالب المصطفى .........................
ولد سنة 1917م في ضاحية من ضواحي تامشكط لأمه لخذيره بنت أحمد ولد أعل الدابكية.
نشأته و طلبه للعلم و شيوخه:
لما كان في الخامسة من عمره صار والده عبد الرحمن يعلمه الحروف في الأرض ثم شكلها و نقطها ثم صار يتلوا عليه سور الخمس الأول من القرآن، تلاوة على أذنيه من غير كتابة في اللوح، إلى أن حفظها بهذه الطريقة، ثم كتب له في اللوح و لأول مرة من رأس " قد سمع " ثم أتم دراسته للقرآن على الشيخ محمد فال بن إلياس و هو في العاشرة من عمره (و هو نفس العمر الذي توفي فيه والده)، فصار والده يعلمه الآجرومية و أحكام النحو حتى صار من أهل الفن و الإعراب و أصبح مولعا بالعربية و شرع يتلقاها من الضيفان القادمين من كل بلد، ثم ما لبث أن رحل للدراسة على شيخه الفاضل العالم الكبير محفوظ بن سيدينا (ت: 1970م) فقرأ عليه ألفتي ابن مالك و ابن بونه و كتبهما في لوح واحد، ثم كتب عليه لامية الأفعال و النقاية على البيان.
و بعد ذلك درس الدواوين و شرع في دراسة الفقه عليه كخليل و الرسالة و العاصمية.
و نشير هنا إلى أن جل معرفة صاحبنا كانت التي تلقاها من شيخه هذا فهو أستاذه الفاضل و لقد عايشه فتفاهما و قدر كل منهما الآخر ذلك أن شيخه كان نابغة في العلم و الحفظ و الذكاء و ما دراسة صاحبنا لكل هذا العلم عليه إلا تأكيدا على أنه كان فريد أهل زمانه في العلم و المعرفة لذلك فصاحبنا قد أطال المقام معه لما نال منه من تقدير و مديد المساعدة حتى أكمل دراسته على الوجه الذي يرضى عنه، و هذا خير مثال على ما سبق من تفاهم بين الاثنين حيث تمثل الأبيات التالية جزءا من قصيدة كان شاعرنا يقول بيتا و يرد شيخه بآخر و كان ذلك سنة 1936 في وادي تامشكط:
عشاؤنا كان بلحمنا الحسن يا عجبا صار عشاؤنا اللبن
فالوجه إن لم يطلقنه اللبن فما له من مطلق لدى الزمن
بهذه الحجة شيخي ضعفن أنت بغير راجح لا تحكمن
إذا أتيت لضعيف صغرن قدرك و أخفض الجناح للبن
و نجد أديبنا يرد على هجاء قاض له (لشيخه) سنة 1938 في قصيدة من بحر الطويل نختار منها:
نسبت للمحفوظ ما ليس أهلــــــه
و ربي منكم يعلم الســـــر و النجوى
و لا ذم من فرد إذا الجمع أجمعوا
على خلفه كلا و لم يك ذا دعـــــوى
فلا تك للمحفوظ يا خل قاليا
فقال الفتى محفوظ عين الفتى بطوى
و في نفس السنة أيضا نجده يطلب منه في قصيدة من بحر الوافر العدول عن ترك القضاء في أسلوب مؤثر و في منتهى ما يمكن من البلاغة:
إلى حبر القضاة أراها تشكو تقول لنا و قد كثر الشكــــــاء
رأيت الحكم يبكي لي بكـــاء على محفوظ مذ سمع الإبــــاء
و بعد ما حصل ما شاء الله له من علم على شيخه محفوظ ولد سيدينا رحل إلى ولاته قاصدا الشيخ سيدي محمد بن عابدين الكنتي (ت:1942م)، و بدأ بمصطلح الحديث حيث حصل على إجازة فيه سنة 1938 م، و درس عقود الجمان لعبد الرحمن السيوطي ثم أجيز في البيان ثم درس مراقي السعود و القواعد و العروض و بعد ذلك أجاز له القضاء و الفتوى فكتب بذلك إلى ابن عمه و رئيس العشيرة كلها جدو بن ألب بن عبد الرحمن أخليفه (1891 – 1974م).
و خلال وجود شاعرنا في ولاته أصيب بحمى قوية و زكام ثقيل و بات ليلة ساهرا لا يذيق المنام من شدة المرض فتخيل أنه في خيام " حلة أهل جدو " على ربوة الفشيشا و كان ذلك من خلال قصيدة من بحر الطويل سنة 1936 م نذكر منها:
نفى النوم عني لا أطيق أنـــــــام بعاد خيام دونهن الأكــــــــــام
و تكرار أمراض بولاته قـــدرت علي و دخان بها و زكـــــــــام
إلى أن يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ضجيع الفشيشا حيث كان الخيام
محظرته و أهم طلابه:
لقد كان لعالمنا محظرة كبيرة وفدت إليها وفود الطلاب من كل حدب و صوب و شهدت ازدهارا عظيما و إقبالا كبيرا و قد دامت 24 سنة (1940 – 1964)، جلس خلالها للتدريس و هو لا يزال فتى في عنفوان شبابه (و هو ابن 23 سنة)، و قد دُرٍِست فيها جميع الفنون العربية من ثقافة إسلامية و أدبية و كان أهم فنونها النحو و الصرف و البيان و المصلح و الفقه ثم المنطق، و من أبرز الطلاب اللذين ارتادوا هذه المحظرة:
• الشيخ محمد فال ولد سليمان و هو عالم جليل و إمام مسجد "الدشرة" بتامشكط و مدرس به، و قد درس عليه النحو و البيان و المصطلح.
• جدو ولد المصطف (1930 – 1963م) و كان عالما جليلا و له محظرة، و قد درس عليه البيان و المصطلح و النحو.
• عبد الله ولد محمد سالم الملقب " أتقان " و هو عالم جليل و معلم متقاعد، درس عليه العروض و بعض الدواوين.
• دمين ولد حجب و كان كاتبه للقضاء في تامشكط، و درس عليه النحو و الفقه و المصطلح.
• الأستاذ محفوظ ولد محمد الأمين و هو أستاذ بالمعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية، و قد درس عليه آجروم إعادة و باب الإضافة من ألفية ابن مالك و بعض أحكام العروض.
• و نشير هنا إلى أن هذه المحظرة كانت متجولة إلا أنه مع تولي صاحبنا القضاء بدأت تستقر إلا أن تلاميذها تناقصوا، و بعد تقاعده 1987 م بدأت تستعيد دورها غير أن روادها في الغالب كانوا من قرابته، أبناء إخوته و أخواته.
مؤلفاته و فتاواه:
للعلامة أحمد ولد خطري عدة مؤلفات و فتاوى ذلك أنه في الغالب يكون منشغلا إما بالمراجعة و المذاكرة و إما بالتأليف و من أمثلة ذلك:
• نظم في غريب القرآن يبلغ 950 بيتا استعرض فيه شرحا لألفاظ القرآن يقول في مقدمته:
يقول أحمد سليل حكي الشنقيطي الأصل في المحكي
الحمد لله الــــــــــذي أنجزا لوعده و بالكتاب أعجزا
جميع خلقه علــــى أن يأتوا بمثله فعجزوا و فاتوا
ثم صلاته على من ختــــما به الرسالة فساد و سما
و بعد فالقصد بذا النظم بيان لغة كل كلمة من القرآن
إن كان لفظها لـــــــــه خفاء تجهله الحفظة الغراء
مبتدءا بســـــــــــورة البقرة فآل عمران فكل سوره
• نظم في أسماء النباتات (سنة 1970) يذكر فيه اسم النبات المعروف محليا و في المقابل اسمه بالعربية ، و قد نشر البعض منه في جريدة الشعب، عدد الثلاثاء 4 نوفمبر 1987 م، تحت عنوان: أسماء النباتات بالعربية، بقلم: محفوظ ولد محمد الأمين (و هو تلميذ صاحبنا و قد سبق ذكره) حيث شرح النظم و علق عليه و نذكر من النظم أبياتا من الجزء الذي لم ينشر:
و أحشيش الحمر سمين بالقندريس
و كل ذات ثومة به تقـــــيس
و نادر القيصـــــــــــوم هو تلبوت
بعد الخريف و الشتاء ستفوت
أزرم سمينه بالتســـــــــــــــــريح
و الــدوم بأزكلم على الصحيح
• له ديوان شعر يتكون من 34 قصيدة جمعه و حققه تلميذه حام ولد فضيلي أثناء حياته حيث قدمه كبحث لنيل شهادة "المتريز" في الشريعة: 1990 – 1991، في المعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية.
و قد توزعت أغراضه بين: المدح، المناسبات، الإرشاد و التوجيه، الغزل، الرثاء، التوسل.
• له نظم الحريم و الجمعة حيث يقوم في حكم صلاة الجمعة لمن لم يجد الماء:
قد ذكر البنان و الرهون كذلك الحطاب و الحمدون
كذلك المواق وابن يونس و نجل قصر نزيل تونس
في الحاضر الصحيح إذ لم يجد ماءا طهورا في هذا البلد
يصلي الجمعة بالتيمم و مذهب التوضيح عن هذا عمي
• كما أنه له فتوى في حكم الشاي رد بها على أحد علماء منطقة "القبلة" الذي حكى تحريمه و كان رد صاحبنا بناءا على طلب من شيخه محفوظ ولد سيدينا سنة 1936م، فقال:
قال الفقير أحمد القلاوي معتمدا على كلام الصــــــاوي
الحمد لله الذي قد ارزقنا و أنبت النـــــــــاس نباتا حسنا
و بعد فالأتا لـــــــه أمور تحتجن أن تذكرن يــــا مغرور
فاسأل الله الإعانة لـــــها في عد حصرها و حسن لفظها
لكي أرد ما من الأقـــوام يقــــــــــــــــول أنه من الحرام
و لما أرسله له سلم به و قبله و أقتنع به.
• و منها من غير المنظوم كأحكام القضاء و جواز تجارة المرأة حيث أفتى بجواز خروجها للتجارة لأن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها كانت تخرج للتجارة، و المرأة إذا كان معها محرم يجوز لها السفر إلى الخارج للإتيان بالتجارة، أما إذا لم يكن لها محرم فذلك لا يجوز.
• و كذلك فتوى في حكم ساقط البئر على القول بعدم لزومه.
• ثم إن له تأليفا في أسماء الشهور و معانيها بالعربية.
توليته للقضاء:
بعد ما عمل "أبي" معلما للغة العربية سنة 1959 م في تامشكط، و تحديدا في يونيو 1964م أسندت إليه مهمة القضاء و مكث فيه حتى تقاعد 1987م’ و بدأ عمله في كيفه ثم انتقل إلى تامشكط و هو ما رغب فيه مبكرا حيث نجد زميله القاضي محمد ولد محمد البشير القلاوي الذي زاره في كيفه 1966م و علم أنه يريد ذلك يطلب منه العدول عن ذلك بطلبه:
ألا أيها القاضي الذي حن و أشتكى
للذع تباريح الفرات لتمشـكا
حننت إلى ذات الكثيب و أهلــــها
و ذكر الفشيشا حين يفتأ ذكركا
و لكن قاضينا و شاعرنا رفض له ذلك و أجابه في نفس البحر و القافية قائلا:
لئن نظر الخل الأريب معاهدي
و سار بها حتى تنازل و أتكا
فطورا بذات الفشة يسلك مسلكا
و طورا بذات الحقف يسلك مسلـكا
إلى أن يقول:
فهل عدل كيفه يا عزيزي على الصفا
بأفضل عند الله من عدل تمشكا؟
و قد حكم قاضينا خلال فترة عمله 8000 قضية بين كيفه و تامشكط لم يستأنف إلا في قضية واحدة من هذه الأحكام و عندما نظر فيه القضاة وجدوا الصواب معه في حكمه.
و يودع الأستاذ محمد بن احمد فال الجكني قاضينا قائلا من بحر البسيط:
يا راحلا و الأسى يصلي نواصينا
تبكي عليك بكــى الثكلى أراضينا
مستقبل القسط حزنا في محاكمنا
يبكي و حاضرنا يبكي و ماضينا
إلا أن يقول:
كيف التصبر عنك يا بن حكي و هل
يرجى السلوى و هل يرجى تقاضينا
منزلته بين العلماء:
لصاحبنا مكانة علمية فائقة خولت له معرفة الكثير من العلماء و الأدباء منهم:
• محمد الأمين الشنقيطي (آب ولد أخطور) الذي زار تامشكط سنة 1946م في رحلته المشهورة حيث ذكر عالمنا بقوله: "غادرنا غروب الشمس مدينة تامشكط في أخريات جمادي الأخيرة و شيعنا جل من فيها من الأكابر و ودعونا، و قدم لنا وقت الوداع العالم الأديب و اللوذعي الأريب احمد بن جدو بن اخليفه الغلاوي ابياتا ........... "، و نص هذه الأبيات هو:
مني إلى المعهود ذي الفتح الجلي
درع الكماة إذا التقت في الجــــــــــحفل
من كع صوب المزن في اروائـه
و انحط في المعقول عنه الــــــــــــدؤلي
هذا و إنا حامدون لوصلـــــــــكم
و لـــــــــــــكم علينا المستناخ النــــــوفل
• و هذه أبيات من قصيدة مديحية بلسان الأديب و العالم الموريتاني السيد المختار ولد حامد الديماني يمدح فيها صاحبنا خلال قضائه في كيفه:
محك العلم نجل حــــكي فيا لله أحمد من مــــــحكي
به ناهيك من مشكاة علم عنت بالمشكلات و كل شكي
إلى أن يقول:
فإن تك هذه فيها و نعمـت و إلا فلنفتك لتـــــــامشكي
فيا كيفه السلام عليك مني أقمت لديك أو سافرت عنك
• ثم إن العلامة الجليل السيد بداه ولد البصيري الذي بلغ من العلم ما بلغ يرسل إلى صاحبنا فتوى في ثبوت الهلال ليسلمها له فسلمها بقصيدة رائعة نذكر منها:
قد أتتنا مـنك بداه نقـــــول أجل إنا بصحتنا نقــــــــــــــــــول
صحيحات مؤسسة المباني تؤيدها الفروع كذا الأصــــــــــول
إلى أن يقول:
فصولتكم دخلناها و إنا لما شرع الرسول لنا الدخــــــــول
• و يقول في مدحه العالم أحمد بن الطلبة الجكني يوم رحيله من كيفه متوجها إلى تامشكط: "إلى القاضي أحمد بن خطري إلى ثمرة الود و البلد، لسان البلاغة و قواعدها الفنية ............ سلام أسنى و تحية حسنى أوجبه و بعد وداعكم ........... فأتحفك على ضعفي و عجزي بهذه الأبيات "، و التي نختار منها البيتين التاليين:
لدى أعين الرائين تبدو و تظهر فما لك في بعد البلاد تســتر
قضاياك في هاذ البلاد تضافرت بأنك بالقضاء أولــى و أجدر
رحلته إلى الحج سنة 1964م:
رحل أحمد بن حكي إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج سنة 1964، و كان الملك فيصل بن عبد العزيز آنذاك يسفر الموريتانيين، فمدحه شاعرنا بقصيدة من بحر الوافر نذكر منها:
لعمرك ما وجدنا في النجود و لا الأغوار مثل بني سعـود
تقى و نقا و لا كرما و فضلا و لا في عزة و ندى و جــــود
إلى أن يقول:
فعش للمسلمين و دم كفيلا لعزهم و إذلال اليهــــــود
مطاعا إن نطقت بلام أمر بريء أنت من لام الجحود
فبارك ربنا فيكم تعالـــــى و مكنكم خراطيم الأســـود
فرد عليه بقوله: "جزاكم الله خيرا أيها الموريتانيون و شكر لكم" و ترك بعد ذلك تسفير الموريتانيين و وزع عليهم الإقامات و رفرفت الراية الخضراء في جميع أنحاء الحجاز.
يعتبر صاحبنا لغويا بالدرجة الأولى بما في ذلك جميع فنون اللغة كالنحو و البيان و الصرف و العروض و حوك الشعر الذي يعتبر بارعا فيه حيث يقوله عفويا و حتى في مسائله العروضية فهو يحضر رموزه في ذاكرته دون اللجوء إلى قلم أو إلى ورقة، يلي الشعر مصطلح الحديث فالفقه و خاصة باب القضاء ثم المنطق، مع أنه ملم بجميع أنواع العلوم الأدبية و الإسلامية.
انطلاقا من كل ما سبق من دراسة للعلوم و تبحر في الفنون احتل عالمنا و شاعرنا مكانة مرموقة بين علماء زمانه في أنحاء موريتانيا عامة، و أصبح هو مفتي قبيلته و الناطق الرسمي باسمها و رجلها الفذ.
وفاته:
توفي رحمه الله و غفر لنا و له يوم الاثنين 12 مايو 2001م الموافق 1422هـ في منزله بتامشكط عن عمر ناهز 84 عام، و دفن في مقبرة "أتويميرت".
لخص من بحث لنيل شهادة "المتريز" / حام ولد فضيلي / ديوان القاضي أحمد بن حكي جمع و تعليق / المعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية / 1990-1991.
-من صفحة تامشكط على الفيسبوك.