صوموا تصحوا
.....ا
في سنة ماضية كان ابن أخي خرّيجًا طازجًا، اكتُتب لتوِّه في مؤسسة بانواذيبُ، في رتبة تحاذي العدم الإداري، وترتَّب على ذلك الاكتتاب حَجْب العون الأسري عنه،.. امتلك سيارة بائسة على قدر دخله، يُلقِّبها (موكَف العزَّه)، وهو اسم دلال شائع في الساحل،.. بعد وضع بنود الميزانية كان نصيب فاطمة الغالية (وهو من أيضا من أسمائها) خمس مائة أوقية لليوم، مخصصَّة للمحروقات، وهو مبلغ يضمنُ لمؤشّر البنزين التَّمسك لونه الأحمر، إلا أنه حُبًّا بها، يركُنها كل صباح بين سيَّاراتٍ لأطر من اسْنيم تفوح منها رائحة المازوت الفائض، ويهمس لها : شِمِّي.. بنية إنْهَا اتْعدَّل le plein بالعَدوَى.
طبعا السيارة غير مُجمركة ولا مُؤمَّنة، ولا تعترف بحق "فِـنْـيتْ" فمشوارها اليومي لا يتجاوز حفنة أمتار، وشرطي الحي يعرف حالها ويتغاضى عنه، وإنْ كانَ أوقفها مرة خدمة لمالكها، ليحثه على بذل أدْنى الجُهد باقتناء لوحتَيْ ترقيمٍ على الأقل متشابهة الأرقام حتى ولو كانت مزورة!
عندي شجيرات أحبُّها، عوَّدتها على حَميَّة الصِّيام المتقطع كنجوم هوليود، وهي صبورة، لكنها مثلنا اليوم عطشى تُكابد مضاعفات الصيام المفرط، ولا يُعقل أن تطمع منِّي في سُقيا من الماء المعدني،.. فالشجيرات تعرف أنَّ موتى أمَّة البلد كان المحظوظ منهم يُسقى بفدوة من ماء صِهريجٍ صدئ مُستفرَغ في حوض عمومي عفنٍ، تتولى المنظمات المتخصصة في توصيل الحسنات للموتى عبر بريدها الخيري توزيعه على أحياء الأحياء البائسة.
بريد الموتى في إجازة الآن، فالحيُّ أولى اليوم بالسُّقيا من الميِّت وصار من مصاريف الماء المحتاجين، وهو مستعد كالميت لشرب نفس الماء المَتَطَحْلِب المُستَقْرَف المُستَكْرَه إنْ وجده ،..
وعلى من "يُذاكر من ورائنا" ويحصل بالجَاه أو استغلال النفوذ على ماءٍ شروب صَرْفَ كفَّارة الصَّوم القسري، وفقا للضوابط الشرعية.
شُجيراتي أمارسُ معها لعبة ابن أخي مع سيَّارته، أبسطُ بينها مساءً ماسورة الماء الجافة، وأقول لها: «اشربي»، من باب جَبر الخواطر، والفأل الحسن..
كانت تربة انواكشوط مكسوة بنَبتة تسمى "العگَّاية" أو "أَملاَّحْ"، وهي أذكى من سَكن هذه الأرض الجرداء من الكائنات الحية، فالظاهر أنها عرفتها حق المعرفة، ولذا طوَّرت نُظمها بأنْ ترتوي من رطوبة الجو عن طريق أوراقها الصغيرة المُدبَّبة وتُرسل الماء لجذورها،.. فماذا لو جرَّبنا مثلها ابتلاع الهواء الذي تبعثه الوزارة في شكل تصريحات وبيانات، ثم نرسله لمخيلتنا بِنيَّة أننا نشرب ونسقي أشجارنا وموتانا..
أراقبُ شُجيراتي يَشتعل رأسها يَبسًا،.. مِنَّكْ لله أيها النَّهر الغادر، تُصر كل سنة على البصق طينًا في حُظوظنا.
استطعنا فك لغز طمي الماء، فما نوع طمي الكهرباء؟.
تحياتي.
الدهماء ريم
