في مقال الأسبوع الماضي، كانت المشاركات قيمة للغاية حول الوعي القومي في"ذكرى ثورة ٢٣ يوليو"، وضرورتها عربيا - وليس مصريا - الآن، وليس غدا، لأن العوامل التي أدت إلى قيامها حينئذ، فاقمتها المتغيرات في واقع الامة حاليا، لأن "طوفان الأقصى"، التي لازالت معركتها حامية الوطيس منذ عشرين شهرا تحديا تاريخيا لقوى الأمة الحية، على الاحتلال الصهيوني، وممارساته اليومية، وحروبه العدوانية العديدة على غزة عاصمة المقاومة العربية، منذ ٢٠٠٩ م. وحصاره لها طيلة عشرين سنة، ثم بالحرب الانتقامية الهمجية التي أوقعته في متاهة لن ينجو منها الكيان الصهيوني، والى الأبد…وعلى الرغم من حرب الإبادة الجماعية، في غزة، وجنين، وغيرها في مدن، وقرى الضفة الغربية، وكذلك الحرب التدميرية في جنوب لبنان، واحتلال جنوب سورية،
وهذه الحروب، هجرت، ودمرت المدن، وفككت التركيبة الاجتماعية في غزة، وهي أكثر فظاعة مما قرأنا عن النكبة السابقة سنة ١٩٤٨م.
إلا ان هذه الحرب كونية، لأنها تجاوزت نطاقها في فلسطين، ولبنان، وسورية، إلى اليمن، فإيران، ومجتمعات الوطن العربي التي تقف مواقف سلبية رغم الرأي العام العربي الموحد مناصرة لقوى المقاومة العربية، كما انها حرب كونية، لانها حركت الضمير الحي لدى الشبيبة العالمية، وكذلك القوى الحية في المجتمعات المعاصرة باستثناء الحراكات السياسية العربية التي تقودها الأحزاب العشائرية، والقبلية، والفئوية، والعرقية، وأحزاب الأنظمة المهترئة .
لذلك لن يكون من السهل التأقلم مع الواقع السياسي العربي الخياني، والتابع بعد الآن ،، نظرا للفجوة بينها، وبين المجتمعات العربية غير المهىأة لتقبل التنميط السابق اعلاميا للبيئات الاجتماعية وفق حلول التهدئة، والاحتواء.
وهنا ارجع بالقراء الى موضوع المقال، كالتعليقات التي أشار أصحابها إلى ما اعتقدوه خطأا من ضرورة تجاوز الحلول التي قدمتها ثورة ٢٣ يوليو، سواء في المبادئ الستة للثورة التي طورتها الانجازات الثورية وفق مطالب التجربة السياسية، والمواجهات العسكرية، وانتقال المجتمع العربي في مصر من مجتمع فلاحي، واقطاعي، ونظام ملكي، الى مجتمع التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والعلمية، ومن مجتمع القرى الزراعية، والمدن التجارية الى مجتمع المراكز الصناعية في الحواضر الكبيرة..
وكانت تلك التحولات الاجتماعية الجبارة، استجابة لمطالب الفرد في العدالة الاجتماعية، والمجتمع السياسي في "الديموقراطية السليمة" التي وفرت للمجتمع الاكتفاء الذاتي، ولم تهتم بديموقراطية النخب السياسية الفاسدة التي لا تمثل الطبقة المتوسطة، بل تمثل الأحزاب التابعة للغرب، وانضاف إليها منذ مؤتمر مدريد ١٩٩١م احزاب العشائر في برلمانات مستجلبة، لأنظمة الحزب الواحد، ولشرعنة الأنظمة تابعة للمحتل، إما لفرنسا، أو بريطانيا، أو امريكا، أوتلابيب.
وللتركيز في الرد، أذكر بالتالي:
أولا:
كان من العوامل التي أدت إلى ثورة ٢٣ يوليو، الموقف الأنهزامي في حرب ٤٨، لأن مقولة جمال عبد الناصر - رحمه الله - في أن مواجهة (اسرائيل) تكون بمواجهة النظام الملكي في القاهرة، ولذلك قامت الثورة بعد ستة اشهر من حريق القاهرة، وظهرت حركات التحرر العربي..
ومقابل الثورات الوطنية، والقومية بالأمس، ظهرت اليوم حركات المقاومة العربية الموحدة لمواجة الكيان الصهيوني، وهي المواجهة التي انتصرت فيها مقاومة أمتنا العربية على نظام الكيان الصهيوني المهزوم منذ صبيحة ال٧ من اكتوبر ٢٠٢٣م، وهو انتصار مضاعف نظرا لتاثيره على المساندين لهذا لكيان الصهيوني،،،
وقد انفضوا عن جبهته عربيا، وامريكيا، فغربيا، وكان أولهم نظامي فرنسا، وبريطانيا المجرمين، وهذا انتصار على المتعلقين بالكيان الصهيوني، وهم مجموع الأنظمة العربية التي تقف خلف نظام "تلابيب الصغرى"، ومجرمي حربها الإبادية، بطرق عديدة، لكن المؤكد منه، أنها انظمة بقاؤه مرتبط ببقاء نظام الكيان الصهيوني الذي ساعدوه دبلوماسيا في المحافل الدولية، وسياسيا في تجريم اعلامهم للمقاومة، وإدانة وزرائهم لضحايا الحرب القائمة، كما ساندوا الكيان اقتصاديا، بأسطول قادة الاجرام الثلاثة، الذي لم يتوقف طيلة عشرين شهرا عن إمداد الكيان بكل مطالبه التي لم تبخل بها الإمارات، والرياض، فعمان ..وشكل اسطولهم المساند في الحرب، رئة الاقتصاد اليومي ، لذلك كان التأثرالداخلي بالحرب نسبيا بما تعكسه على حياة المواطن، كارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية، او نقصانها في السوق العام في مدن الكيان الصهيوني..!
ومن المفترض، أن تنتهي حرب الإبادة الجماعية، وأن يكون من تداعياتها، غياب رموز نظام الكيان الصهيوني، وجنوده في شطرنج هذه الحرب الاجرامية التي تبادل فيها " النتن إياه"،الأدوار مع جنوده من قادة انظمة الاعتلال العربي، ومن بين انظمة الاعتلال العربي ما قبل طوفان الأقصى، انظمة التطبيع الخياني، لكن إلتحق بهم أنظمة التبعية، الأنظمة التي افتقدت شرعيتها، نظرا لعجزها عن القيام بواجباتها الوطنية، ليس الوطنية ،فحسب، بل الواجبات القومية في مواجهة حرب الإبادة الأمريكية، الصهيونية، وشركاؤهما في أنظمة العمالة العربية التي تحالفت جميعا بنسب متفاوتة، حتى التي، لازالت تلوك بلسان اعلامها شعارات جبات التحرير، حتى بعد أن سقط القناع،، ولا أحد من مواطني تلك الأقطار، ولا من الثوريين العرب المتحالفين تلقائيا مع تلك الأنظمة قبل أن ترتد عن مبادئ الثورات السابقة ..
لذلك لم يبق وعي عربي يعتاش تحت التخدير بالشعارات، لقد استيقظ الكل على مشاهد" يوم الحشر" في حياة العرب في الربع الاول من الالفية الثالثة ، وهي افظع مشاهد في شوارع محافظات غزة، ولا يستطيع كذاب، أو منافق، أو دجال، أن يجد تباينا بين انظمة التبعية في الوطن العربي، لذلك، فمصيرها الحتمي مرتبط بيصير " النتن إياه"، فمتى سقط، كانت كاحجار "الدومنو"، ستفقد تراصها يقينا من المحيط الى الخليج..وهذا الذي يجب أن يكون، وتؤكده المعطيات التي يحاول المجرمون احتواء التغيير، للبقاء على انظمة التبعية، ما بعد الحرب، أو ما اسموه باليوم التالي..
ثانيا:
إن الثورة العربية، هي هوية ثورة ال٢٣ من يوليو سنة ١٩٥٢، وكانت مبادئها القومية جامعة لمطالب المواطن، والوطن، الأمة في " الحرية، والاشتراكية العربية، والوحدة "
ومن هنا أسأل الزملاء الذين وجدوا في تغير الأوضاع العربية العامة إلى الأسوإ، وماذا اسوأ من غياب الدور العربي إزاء ما يجري في غزة، وفلسطين، وسورية، ولبنان،،؟
وهو ما دفعهم لتبني رؤى النظم التابعة، والوعي الانهزامي الذي تنمط بتشكيله بالزمن الصهيوني، والأنظمة التابعة التي استبدلت المبادئ السيادية، وبعضها حارب نظام الثورة في مصر، والعراق، والجزائر، وليبيا، وسورية،، وكان سندا للكيان الصهيوني منذ الحرب على الثورة في اليمن سنة ١٩٦٢، ثم في حرب ١٩٦٧م.!
فهل استجابت أنظمة التبعية لمطالب المواطن العربي؟
و على افتراض أن الاقطار العربية تحررت قبل في الخمسينات والستينات، فهل هي كذلك الآن؟
الجواب بالنفي، بكل تأكيد، الاحتلال رجع اقوى مما كان، ونحن أضعف وعيا من الاجيال العربية التي كانت تثور على الاحتلال في حرب ١٩٤٨، ١٩٥٦، وحرب ١٩٦٧م..
ومن كان يظن خطأا أن الاشتراكية، نظام تعطيل للطاقات الفردية، وخدمة للأجيال القادمة بالتضحية بالإجيال الحاضرة..فهو اليوم، يتمناها نظاما يضمن له الإعاشة، والعمل، وتعليم ابناىه، والسكن الصحي..
ومن كان يجد في الوحدة العربية أحلاما وردية،، فهو اليوم يراها ضرورة ترفع جماهير الأمة العربية، شعاراتها للدفاع عن غزة هاشم…
نعم شهوت الوحدة العربية، لأنها استبدلت ببدائل، شاهت، ثم دالت، كالجامعة العربية، المتعبرية القيادة، واتحاد المغرب العربي، ومجلس التعاون الخليجي..!
وكان البديل للأستقلال، والسيادة العربية في الستيتات، هو أنظمة التبعية التي موهت شعارات الديمقراطية المزيفة، وقيم العولمة الاستلابية التي نازعت المواطن العربي في مطالب حياته اليومية؟
نعم، استبدلت الأنظمة الثورية بانظمة تابعة، جعلت الأوطان رهن القروض، مقابل النهب لمقدرات مجتمعاتنا العربية، وذلك منذ تسيد "عصر الانفتاح " الساداتي، لكن ماذا حصل منذئذ؟
لقد بيع القطاع العام للقطاع الخاص للمستثمرين الأجانب، وأصبحت القروض المالية تحول إلى الحسابات الخاصة، لتدخر في المصارف الغربية، وبالنتيجة، ارتهان الأوطان، ونهب المقدرات، وتراكم الديون على حساب الأجيال الحاضرة، واللاحقة..!
لذلك أسأل الزملاء في الحوار المفتوح من أجل تبادل وجهات النظر، وتعميم الوعي التنويري، حول استحالة الاستجابة لمطالب المواطن العربي حاليا، وغياب عوامل الإسناد لديمومة الأوضاع الحالية..والضرورة الملحة للتغيير السياسي، واستعادة الوعي القومي..
وإن النموذج الذي حقق للوطن الاستقلال، والسيادة، وللمواطن استعادة الهوية العربية التي غيبتها عصور الانحطاط السياسي التركي،، وذلك منذ سقوط بغداد سنة ١٢٥٨م.
وللأمة دورها في توجيه تيارات التغيير التاريخية،، هي الثورة العربية الناصرية، ولا بديل عن الوعي القومي، إلا بغياب الوعي، اللاطريق، والمنعرجات المؤدية الى المتاهات في الزمن الرمادي ..
فلنعد إلى نقطة الانطلاق التي توقف عندها التطور، والتنمية، والاستقلال، والسيادة، ولنستأنف الدور العربي المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى،،
إن العودة إلى المرحلة الناصرية، ليس دعوة استرجاعية، بل هي دعوة للوقوف على قواعد محصنة لوعي المواطن العربي، وتوظيف مقدرات الأمة المادية، والمعنوية، برؤى واضحة، و"منهج: الوعي، و الحركة، فالعمل" وذلك لمواجهة تحديات الحاضر المحلي منها والخارجي على حد سواء، ولتكن نقطة البداية الوقوف بحزم، وبكل طاقات أمتنا مع حركات مقاومتها العربية في فلسطين، ولبنان، واليمن، والعراق، والشقيق الإيراني الذي ضحى في سبيل المقدسات الإسلامية المشتركة …
وهل من بديل للناصرية، غير التفرعن لحثالات الأقزام، لانظمة التبعية، و"التطبيع" الخياني ؟!