من فاجعة الكلم 75 إلى فاجعة الكلم 82... ألم يحن الوقت لوقف هذا النزيف؟
وقفتُ ميدانياً على عشرات حوادث السير في السنوات الأخيرة، واستمعتُ إلى قصص مؤلمة يصعب نسيانها، ومع ذلك، فما سمعته يوم أمس من بعض الأشخاص الذين كانوا أول من وصل إلى مكان الحادث، كان مختلفاً عن كل ما سمعت من شهادات من قبل… كان أكثر وجعاً، وأعمق أثراً، وأقسى على القلب.
فاجعة الكلم 75 لا يمكن مقارنتها بأي فاجعة أخرى.
أسرة بكاملها داخل سيارة صغيرة مغلقة الأبواب، تشتعل فيها النيران، ولا منقذ يأتي ليطفئ النار، أو ليفتح باباً من أبواب السيارة لمساعدة الركاب في الخروج.
ولتتصوروا حجم المأساة، فيكفي أن تتخيلوا أباً أو أماً يرى ابنه أو ابنته تأكل النيران جسده الصغير... وهو عاجز، مشلول، لا يملك إلا الصراخ الصامت، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً لإنقاذ ابنه، لا يستطيع أن يوقف اتساع النيران، ولا يستطيع أن يحمي صغيره من ألسنتها التي لا ترحم.
وتصوروا أن الأسرة بكاملها، في تلك اللحظات الأخيرة التي لا تُحتمل، كانت ترى جموع الناس من حولها... ترى الأمل واقفاً خلف الزجاج، ولكن لا أحد يقترب.
فماذا أصاب الناس؟
هل ماتت الرحمة في النفوس؟
وأي قسوة هذه التي تجعل الجموع تنظر دون أن تمتد يدٌ واحدة لإنقاذ من في السيارة المشتعلة؟
لماذا لم يجرؤ أحد على الاقتراب؟ لماذا لم يُفتح باب؟ لماذا لا تحاول هذه الجموع أن تخفف من اشتعال النيران ؟!
ولماذا يضحك البعض وينشغل بالتصوير في مثل هذه الأوقات العصيبة؟
لقد اعتقد القادمون الأوائل بعد الحادث أن السيارة الصغيرة كانت خالية من الركاب.
فكان السائل منهم يسأل يقول: هل بقي أحد في الداخل؟
فيأتيه الجواب سريعاً من أحد ركاب الحافلة: لقد خرجنا جميعاً.
لم يُدرك أحد أن أجساد بشر لا تزال تحترق داخل السيارة الصغيرة، إلا بعد أن خمدت النيران، وظهرت أجساد الركاب وقد أكلتها النيران.
يالفظاعة المشهد... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لم أقف على سبب الحادث، ولكن الراجح عندي أنه كان نتيجة لأخطاء بشرية ارتكبها أحد السائقين أو كليهما.
فالمقطع الذي وقع فيه الحادث لا توجد به حفر، ولا ألسنة رملية، ولا مرتفعات أو منخفضات خطيرة، كما هو الحال في كثير من مقاطع طريق نواكشوط - بوتلميت.
غالب الظن أن السرعة كانت هي السبب، وربما النوم أيضاً، وهو احتمال وارد يزداد رجحانه في حوادث السير التي تقع فجراً، كما هو الحال بالنسبة لهذا الحادث.
ولأن الفاجعة تجرّ الفاجعة، والحزن يذكر بالحزن، أستحضر الآن حادثاً وقع قبل عامين على بعد 7 كلم فقط من مكان هذا الحادث… في يوم 17 مارس 2023، تصادمت سيارتا نقل من نوع رينو، وأدى ذلك الاصطدام إلى وفاة 13 شخصاً بشكل فوري، وكانت أسباب ذلك الحادث السرعة والنوم.
محمد الأمين الفاظل