من قتل الحسين ...ومن قتل عثمان وطلحة والزبير ومن قتل ابن الزبير !!!

من قتل الحسين ...ومن قتل عثمان وطلحة والزبير ومن قتل ابن الزبير !!!!

القتل حرام بنص التنزيل وهو أول ما يقضى فيه بين الناس  يوم القيامة بنص الحديث النبوي الشريف ، لكن تكييف القتل من الناحية الشرعية يجب أن يكون مجردا وأن لا يكون مرتبطا بشخص القاتل ولا بشخص المقتول مادام القاتل مسلما والمقتول فالمسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه....والمشهور عند أهل السنة أن الخروج على الحاكم حرام ما لم يأت كفرا بواحا وحين يصدر منه كفر بواح لا يكون الخروج عليه مشروعا إلا بشروط أن تكون الإطاحة به في المتناول وأن لا يكون السعي لها قد يسبب ما هو أخطر من بقاء الحاكم  .....ولا شر أدهى من تمزق الدولة.
هذا ما دأب على تداوله فقهاء أهل السنة منذ زمن بعيد وما يزالون ولكن قليلا منهم يتقيد بهذه الفتيا حين تتعارض مع مصالحه أو مصالح قومه.....

لم يأت حسني مبارك بكفر بواح ولكن الخروج عليه أفتى الكثير من الفقهاء أنه جهاد وخرج الناس عليه  وجاء مرسي فخرج الناس عليه لكن نفس الفقهاء الذين أفتوا بالخروج على مبارك حرَّموا الخروج على مرسي واعتبروه حراما وعمالة للأجنبي ولم يأت مرسي بكفر بواح كما لم يأت به مبارك !!!! وأفتوا بالخروج على القذافي وتولوا غير المسلمين ليقتلوه أبشع قتل !!!!

ُأُخرِج الناس على الأسد وتدفق عليهم المدد من مال ورجال ترافقهم فتاوي فقهاء لهم صيت ذائع وشهرة أن الملائكة تقاتله وأن لا يتخلفنَّ أحد عن صحبتهم ، فخرج الكثير من شباب المسلمين نحو القتال لكن الذين أمروهم أن يخرجوا وأفتوهم أن يقاتلوا لم يتوجه أحدهم ولا توجه له  ابن ولا حفيد للجهاد صحبة هؤلاء الملائكة الذين زعموا أنهم يقاتلون حاكم دمشق !!!!! فالخروج  على الأسد جهاد يقرب صاحبه زلفى من إحدى الحسنين  النصر أو الجنة....يستسهل هؤلاء الخروج المسلح على الحكام مع ما يعنيه من قتل الأنفس المسلمة البريئة،  يصمون آذانهم عن أي صوت مخالف ويغنون ويرقصون شحذا للهمم أن لا يتخلف أحد عن واجب المشاركة في المحارق  بسبب أن لهم  في ذلك مأربا وحسابا ثم لا يستصغرون حجة ويأخذون بكل شعار مهما كان ضعف وجاهته، فسقوط الحاكم خير من استقرار الأرض وحياة أهلها ؛ لكنهم حين صدرت إشارة من شاعر قطري لم ترق للأمير كانت عقوبتها السجن المؤبد والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية، صمتوا صمت القبور ولا واحد منهم همس ولو على استحياء أن في الأمر أبسط منكر....!!!!! مجرد عيِّنات قليلة  لقاعدة عمَّت الفتيا على مر  التاريخ الإسلامي وعلى عموم جغرافيا الإسلام.... تسييس قديم رافق النشأة ما بعد السقيفة  وتطويع للنصوص غير جديد فقد بدأه الأولون منذ تقاطعت مصلحة الفقيه والحاكم فاحتاج الأول للثاني أن يبسط رؤيته ومذهبه وفتاويه بقوة الدولة واحتاج الثاني للأول أن يمرر قبوله المجتمعي ورضى الرعية به وبحكمه وبولاية عهده حين يموت فيظهره  أنه الحاكم العادل وأنه أزكى من يقيم حكم الله في أرضه وأن من يختار لخلافته بضعة منه في تقواه واستقامته.....فتبايع الطرفان وما يزالان....

اليوم يدور نقاش عبثي ومريب في توقيته ولغته عن الحسين وبني أمية فيه لعن وسب وشتم لقوم رحلوا منذ قرون طويلة  وذهب الغلو بالبعض أن فسَّقُوا دولة إسلامية قوية تركت أثرا بالغا في تاريخ الإسلام ونشرته لأقصى المشارق في طبعتها الشامية  ومن طبعتها الأندلسية أوصلته لأقصى المغارب وتغلغلت به داخل معاقل الكنيسة الأوروبية  ، فدام هناك ثمانية قرون ما تزال آثاره شاهدة على عظمة القوم في الأدب والثقافة وحسن العمارة ......
يتحامل البعض على دولة بني أمية يسبب أن بعض المسلمين خرجوا عليها فلم ترفع الراية البيضاء  وحاربتهم والحرب لابد من قاتل فيها ومقتول ومنتصر ومهزوم وليست كربلاء أول المعارك بين المسلمين وليست أول معركة مات فيها منهم الأخيار وليس الحسين أول من مات من المسلمين وليس أفضل من مات منهم....
فقد مات عمر بن الخطاب مقتولا ومات عثمان بن عفان مقتولا ومات علي بن أبي طالب مقتولا. ...والقرب الطيني من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنح الحسين شرعية دينية في مواقفه السياسية فأمه  فاطمة أعز بنات  رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه لم تبايع  أبا بكر ولم ينتقص ذلك من شرعية خلافته لأن القبول بتوليه أمر المسلمين أو رفض خلافته  موقف سياسي وليس حكما شرعيا...
ولو كان القرب الطيني من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمكانة العلية في الدعوة ونشرها تمنح أرضية دينية للمواقف السياسية لنالها علي بن أبي طالب ، ما عبد صنما وفارس مغوار وجهبذ من حهابذة اللغة والحكمة وزوج فاطمة وأب السبطين...فقد وصف علي بن أبي طالب طلحة والزبير ومعاوية بأوصاف لا يقبل بها أحد من المسلمين لأنها صدرت على خلفية سياسية ولا علاقة لها بالدين....  

ودون الدخول في الجدل  العقيدي حول  ما يدفع به الشيعة في موضوع الوصية لعلي بالخلافة وما ويدفع بعكسه السنة،  فقد خرج الحسين بن علي على سلطان دولة قائمة وكان يريد السلطة لنفسه ولقومه  كما الأمويون أرادوا السلطة لأنفسهم وبكوا عثمان وأخذوا بقميصه وكما فعل العباسيون لاحقا فكل الدول "الإسلامية" قامت على نفَس عشائري يخفيه أصحابه بلبوس سياسي تارة وتحت عباءة دينية تارة أخرى ،  فتسمت كل دولة  بالأسرة التي أقامتها وتحكمت بها ، وحدهم المرابطون كانوا أول الإستثناء وكانوا الأهم   ومن بعدهم كان الموحدون.....

وكما فعل الحسين بن علي ببني أمية  فقد خرج عبد الله بن الزبير  على سلطة دولتهم فحاربوه بحجة أن الخروج على السلطان حرام وهو ما سيقول به لاحقا ابن تيمية " ألف يوم من سلطان جائر خير من يوم واحد من دون سلطان "....

خرج الرجلان  على الحاكم  وهما  من صلحاء القوم ولكن معاوية بن أبي سفيان من صلحاء القوم أيضا والدولة التي أقامها دولة قوية للمسلمين   وفيها رجال عظام وفيها دون ذلك وفيها من أقام عدلا ما يزال مضرب الأمثال وفيها من طغى وتجبر......فما الذي كان يسعى إليه الحسين وابن الزبير غير السلطة ؟

اليوم يدور حديث في منتهى العبثية عن مقتل الحسين في واقعة كربلاء وينقسم الناس فريقين  فيصب أحدهما  جام غضبه على من قتل الحسين ويبحث في بطون المراجع عن الشخص أو الأشخاص الذين تلطخوا بدم السبط.....ليلعنهم !!!

لكن لماذا لا يسأل هؤلاء عمن قتل عثمان بن عفان ؟ هل لا يستحق عثمان أن ينتصر له من ينتصر اليوم للحسين ؟ هل يعود السبب أن من بين قتلته محمد بن أبي بكر ؟ وأن أم المؤمنين عائشة كانت تعارضه وتحرض عليه ؟ وهل هذا يكفي أن لا ينتصر الناس لقتل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل كان قتلُُ أبشع مما وقع لعثمان في عقده التاسع ؟ ومن قتل الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في واقعة الجمل  وهما من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومِن الذين بشرهم بالجنة !!!!!  ولماذا لا يجدون منا نصيرا ومنتصرا  لهما ؟ هل  لأنهما ماتا بسيوف جماعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ؟ وهل هذا يكفي فلا يستحقان من الناس أن ينتصروا لهما؟

ولماذا لا ننتصر للزبير وننتصر لإبنه عبد الله ؟ هل عبد الله بن الزبير أفضل من أبيه الزبير بن العوام أو أقرب لبيت النبوة ، ابن أخ خديجة وابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم  !!!!! أم لأن من قتل الوالد ليس كالذي  قتل الولد فيصبح تكييف القتل مرتبطا بشخص القاتل ؛ البعض يحق منه القتل والبعض لا يقبل منه !!!!

كل ما وقع من قتل وحروب وقع بدوافع سياسية وكل التحالفات كانت على خلفية علاقات عائلية وأسرية ولا يمكن لأحد أن يكفر طرفا ولا أن يبرئ طرفا....

عبد الله بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر وعائشة أم المؤمنين كانت في الصف المعارض لعثمان بن عفان الأموي ولم تكن فترة الخليفة الثالث نموذجا في حسن تدبير الحكم ، وطلحة والزبير ذكر علي بن أبي طالب أنهما بايعاه  ثم نقضا بيعتهما وطلحة  والذين قتلوا عثمان كان على رأسهم محمد بن أبي بكر،  أخته أم المؤمنين عائشة وهو ابن عم طلحة و عبد الله بن الزبير ابن أخته  والتنافس داخل بيت عبد مناف معروف،  الهاشميون والأمويون.....الكثير من شعاب الولاءات لا يمكن حصره لكنها كلها أمور دنيا وليست من أمور الدين وليس مقتل الحسين إلا عنوانا من عناوين ذاك الصراع المرير وتناول مقتله حصرا  والسكوت عن مقتل من سبقه فيه ريب كبير خاصة في هذه الأيام بالذات ولا يستبعد أن يكون البعض يريد رسملة الهوى الشيعي الغالب عند الموريتانيين نحو تمذهب عقيدي تكون عاشوراء مناسبة له ومنطلقا !!!!!

إنها  ازدواجية مخلة ونظرة تبسيطية لأحداث جسيمة  من المفترض أن يتناولها الباحثون من حيث الأسباب والمآلات وأن يستخلصوا منها العبر بدل إصدار أحكام قيمية جاهزة، يقول هذا بفسق ذاك فيرد ذاك بكفر هذا،  فلدينا من أسباب الفرقة في حاضرنا ما يغنينا عن نبش أسبابها في ماضينا ولا مصلحة لنا في استحضار مرارات وهمية ولا في استيراد عناوين  تزيد من تأزيم  واقعنا المأزوم أصلا....

في حادثة وقعت بين عراقيين شيعي وسني يقيمان في لندن، سب الشيعي جماعة السنة فرد عليه السني بسب الحسين فتشاجر الرجلان فأخذتهما الشرطة وأحالتهما للقضاء فسأل القاضي عن المشكلة فتقدم الشيعي وقال إن السني سب الحسين فسأل القاضي عن الحسين وطلب شهادته فأخبروه أنه مات فسألهم أقبلَ الحادثة أم بعدها فأخبروه أنه مات منذ أربعة عشر قرنا فالتفت يمينا وشمالا يتشاور مع معاونيه وأصدر حكمه بإحالة الرجلين على وجه الاستعجال لمصحة عقلية.......هكذا أودى بنا تخلفنا العقلي  

فرقوا بين الإسلام والمسلمين فدولة النبوة دولة دينية معصومة ودولة الخلافة دولة مدنية لا عصمة لحاكم فيها مهما كانت مكانته وتتأثر بكل ما يحصل من خلافات وخصومات بين القادة وبين البطون والعشائر...أما الدول اللاحقة فدول أقوام مسلمين منهم الصالحون ومنهم دون ذلك....وأبعدوا الفقه عن معاطن السياسة..

محمد ولد الراظي