في علم الاجتماع الحضري، تشكل المدن سجلاتها الأثرية، وكل المدائن منذ فجر التاريخ إلى الآن، قدمت - وتقدم - تاريخ العصور التي مرت بما استجد فيها من معالم في أحيائها، وظهر من قادتها، ورموزها التاريخية،، وقد أدت - وتؤدي - الحروب إلى الدمار العمراني، والزلازل، والأعاصير إلى الاندثارالكلي، أو الجزئي..
لكن" ميخائيل عوض" - على قناة باديوم Podium - عرف مدينة غزة بمجتمعها، ومقاومتها، بقوله: " غزة واحدة من الشواهد على العصر، وتجب كل ما قبلها بظاهرتين: ( أ) - الإبادة الجماعية، و(ب) - وتخلف الشعوب العربية، والأمم، والقيم الانسانية، وعطالة القوانين الدولية، "، ولذلك تساءل: " أين الجندرة، وأين حقوق الطفل، والحقوق الإنسانية، ووضع القوانين الرحيمة للحيوانات..؟!"
إن ما تواجهه غزة، ومجتمعها، كشف الزيف، والغشاوة عن الأعين لنرى أنفسنا، كعرب قبل غيرنا، تقاتل انظمتنا ماديا، وسياسيا، اطفالنا، ومدنيينا الجوعى.. إلى جانب الصهاينة المشرفين على القتل اليومي، وكل ذلك من أجل تسيد شذاذ الآفاق، واحلالهم محل أمتنا التي وصل تعدادها إلى حوالي نصف مليار عربي سيقادون الى مسالخ الإبادات واحدة بعد الأخرى..!
وهذا الأنكشاف المجتمعي، والأممي، بل الكوني المعاصر، هو المعبر حقيقة بالسلوك العملي عن القيم المشتركة التي قدمت بؤس الهمجية المعاصرة، والحيوانية اللا انسانية في مجتمعاتنا العاجزة، بل المقهورة أمام همجية قتل الأطفال، والمدنيين الجوعى، والسكوت المتواطئ منذ 7 من اكتوبر2023م. وتفاعلاته الجحيمية التي تزداد يوما بعد يوم، وتعمل الأنظمة العربية المجرمة معلنة عن مواقفها، لفرض هذه الجريمة المستدامة في الإبادة الجماعية، وذلك لتأسيس واقع مغاير عما عليه حاضر الامة العربية منذ تأسست أنظمتها في الاتفاق الفرنسي - الانجليزي على التقسيم سنة 1916.
إن اخضاع المقاومة المستحيل بإذن الله تعالى في غزة، سيؤدي الى بداية عصر الاستعباد، والتسيد الصهيوني في الوطن العربي من المحيط الى الخليج، ولن يحول دون ذلك إلا انتصارنا في غزة، وهذا جعلها تتفرد بكونها " الشاهدة على أصالة الشرق" بنسبته لغزة - وليس العكس - الموقع في قلب الوطن العربي، والمجتمعات المنتظرة لمآلات المعركة المصيرية ، ولدور الفعل المقاوم في سد بوابة عصر الاستعباد، وبهذا التوصيف المتجاوز لهويتنا المستلبة، والعمل على استبدالها بأخرى بديلة، لا نتميز إلا بها صراحة ، رغم انها ستجعلنا من حيث الظواهر، والخواص، غير عرب الاستكانة، والقطعان المسجونة في الاسطبلات، والزرائب..
فغزة، وحدها المتمسكة بمفتاح " بوابة العروبة، وأخلاق العرب، كما أنها بوابة الإيمان، وبوابة الإنسانية التي تذبح.."، وهي لذلك تقاوم بما جعلها حالة " أسطورية في الصمود والتضحية، والإبداع في المقاومة" ، وبدلا من مساندتنا لها ، والاقتداء بها، فالعرب : " إما انظمة مشاركة، وليست شياطين خرساء، فحسب، وإما شعوب نائمة "، كالسائمة، تساق الى حتفها برؤساء وامراء انظمة، دورهم وضع عوازل بين كل قطيع، وآخر، لعله دور التيوس - داخل القطيع، وليسوا حراسا، سينجون بجلودهم - كحالة الذم ، وليسوا اكباش قبائل في الافتخار،، كما نبهني على ذلك الأستاذ محمد المصطفى ولد ادليل بعد قراءته لمقال الأسبوع الماضي.
وهذا تنهيج، موجه بسياسة، ورؤية لبلوغ ' الدور الرديء' مبلغه في استلاب أمتنا مقومات وجودها الحضاري، ومنه ما يقوم به ممثلو حكومات التطبيع الاجرامي في المحافل الدولية ، وأمام المحاكم الحقوقية التي ترافع صوريا - على الأقل - المجرم الصهيوني النازي "النتن إياه" بجرائمه في الإبادة الجماعية.
بينما ممثلو أنظمة التطبيع الخياني هم المحامون، والمستميتون - أماتهم الله على ملة التصهين - للدفاع عنه، وفي مقابلهم، يكافح بشرف القيم الانسانية، ممثلو جنوب افريقيا، وامريكا اللاتينية للدفاع عن غزة، ودافعهم الوحيد، هو الواجب الثوري، ومعطيات القانون الوضعي، والقيم الاخلاقية الكونية، والبواعث الانسانية للأمم جمعاء، وكل ذلك لوقف الإبادة الجماعية للأطفال، والمدنيين بعد أن استحالت الحياة في مدينة غزة التي صارت خرابا، والبيئة تلوثت بالمبيدات الكيماىية، لما أصابها من اطنان القنابل، والصوريخ المتفجرة، وغير المتفجرة.
ولم تتوقف انظمة التصهين عن القيام بتوظيف 'الدور الردي' عند هذا المستنقع السحيق من الامتهان، بل تعددت محاولتهم الاجرامية لعقد الاجتماع الفاشل في مدينة رام الله في محاولة بائسة للتنديد بالمقاومة في غزة، وتحميلها المسئولية، والإعلان عن المزيد من فرض سياسة التطبيع على الباقي من الانظمة التابعة، وربما تأكيد القول بالإجماع مع " التيس" في رام الله، بأن المقاومين - كابنائه الذين يعيرهم بشذوذ أمهم، كما جاء في الرد عليه من أحد قادة حركة حماس - ..!
كما أن الدور الرديء للأمة لازال حثالاته يسيرون بخطى حثيثة من أجل تحقيق أهدافهم المشبوهة، ليأخذ أبعادا خطرة، بالدعوة الفاضحة في السياسية الاجرامية لنزع سلاح حزب الله، وهو الحزب المقاوم الذي يجسد المقاومة اللبنانية العربية، والهدف المعلن من سياسة نزع السلاح الذي تطالب بع السعودية جنبا الى جنب مع مبعوث الرئيس الامريكي ترامب، الممثل البهلواني للصهاينة، اكثر من سابقه " بايدن"، والكل مجمع على الدفع بتجريد قوى المقاومة العربية من سلاحها في لبنان اليوم - وغزة لا قدر الله - ، وذلك لتسهيل احتلال لبنان مرة أخرى، و إعادة مجازر " صبرا وشاتيلا" في الضاحية الجنوبية لبيروت، والمدن، والقرى في الجنوب اللبناني، وستكون بمشاركة جنود الدكتور جعجع، كما السابق..!
لكن السؤال الذي لا يريد سماعه رئيس البرلمان اللبناني المنبطح الذي يمشي على بطنه، هو لماذا يسوق الهزيمة لمجتمع المقاومة اللبنانية، ويفرضها على قيادة الحزب، وهي التي انتصرت بمقاوميها، وهزمت كتائب الكيان الصهيوني خلال ستين يوما..؟
ألأن لبنان المقاوم، يفرض عليه موقعه الجغرافي، حالة الطقس التي يهب عليه تيارها القاتل للابرياء في الساحل السوري، واللافح، اللاهب تحت رماد التطبيع الخياني، وذلك للتكفير عن جرائم " الجولاني" السابقة، والحالية، واللاحقة، في محاولة يائسة لمحو ما وصمه به سلوكه الإرهابي بعد ان سجل من طرف المنظمات الدولية، والإنسانية ، على لرغم من أنها بلعت ألسنتها، وسحبت دعاويها، واستقبلت " ابن العلقم" باعتباره القائد الشرعي ل ( الثورة السورية)، الثورة التي طلب لها الأحياء، كما الأموات من مشايخ تيار الإسلام السياسي النجاح عن طريق التدخل الأمريكي، ولفتح باب جهنم على الأمة بالسياسة الأردوغانية حتى لا يبقى لتركيا جار غير مطبع.. السياسة الاستسلامية التي يتوسلها محمد الشرع من المجرم الصهيوني النازي النتن إياه..!