من المفاهيم المتداولة في علم الاجتماع المعاصر مفهوم " الدور الرديء"، فهو صراحة، لا تشاؤما، المعبر عن حالة الأمة العربية التي تعيش وضعا يرثى لها فيه من جهة غياب القوة الرادعة لمواجهة التحالف بين المحتل الصهيوني، والاحتلال الامبريالي الامريكي، والخداع الغربي المكشوف في سياسة قادة الدول الثلاث: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية..
أمام هذا التحدي السافر، نجد أمتنا العربية محاصرة من كل الاتجاهات: الداخلية، و الخارجية معا في ظل غياب القيادة الوطنية القومية في أي من اثنتين وعشرين قيادة " نعجة "، لا تستطيع مجتمعة، ان تدافع عن الأمة، وما يهمها هو تأسيس، واستدامة سياسة التبعية، المستندة إلى سياسة القمع بعصا الأمن الداخلي، والجيوش المغيبة الدور، اللهم إلا اسنادها " الروتيني" للأمن الداخلي، وذلك لحسم المواجهة الداخلية، حتى أصبح الشعب العربي قطعانا، تساق بالعصا المرفوعة بأذرع قوى الأمن الباطشة، وأوامر الإخضاع التلقائية لقيادات جيوش متكشة ..
وهذه واجهة لفهم مظاهر الدور الرديء الذي يعبر عن حالة الأمة العربية في تفسير قمع الوعي الذي من المفترض رفع القمع، ليوجه الوعي القومي جماهير الأمة للنزول إلى الشوارع، والتعبير عن المواقف الرافضة لهذه الاستكانة المميتة لقيادات متخاذلة، ومتواطئة، ومتصهينة حتى..
فالعصيان المدني في هذه الحالة، يصبح مطلوبا للتعبير عن الرفض لهذا التحييد السلبي المفروض قسرا على أمتنا، وهي تذبح قهرا، لتمرير الإبادة الجماعية في غزة، ومدن الضفة الغربية، وجنوب لبنان، والمشاركة في الحرب الذي يفترض فينا أن نقودها ضد الكيان الصهيوني، احرى أن نشارك فيها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وقفت مع المقاومات العربية منذ اربعين سنة، واليوم يعتدى عليها لمواقفها ضد الكيان الصهيوني المحتل للمقدسات، والأرض، والعرض..!
فعدم التحرك المشارك للحراكات السياسية العربية، أمر مريب للغاية ، وليس له معنى ذاتيا، أو موضوعيا، يستند الى ما كان سائدا عن رصد مظاهر التفاوت في الوعي الوطني، والقومي، المفترض بين مجتمعات الأمة، وهذا يلغي السؤال المحوري السابق عن استحالة قبول، أن يتساوى الوعي القيادي، والموجه لنضال القوى السياسية في المجتمعات العربية في المراكز، وتلك التي في الأطراف الهامشية، والمتأخرة في التطور، والتنمية العلمية، وبالنتيجة في وعي المواطن العربي المغيب بعوامل عديدة، أكثرها سوءا، هو توليد المشاكل الإجتماعية، والصراعات البينية، وفتح نافذة مغلمة للمواطن العربي، بهدف تسريب تيار" غسيل الوعي السلبي"، الذي يسعى في الحاضر الى تحييد الأفراد فيما يحيل إلى تنامي " الوعي التصوفي" في السقوط الحضاري السابق بعد سقوط بغداد الأول، والاندلس، كمؤشر لنهاية النهضة، وأحياء الميت من التراث، نظرا لتمييعه للوعي، لذلك أقصى دور الفرد، كما أدوار الأحزاب السياسية في الدفاع عن الحقوق المدنية، و السياسية، وأقلها تحديد المواقف، والتفاعل مع الأحداث الجارية التي تزيد من مآسي الأمة، لأنها تعصف بحاضرنا، ومستقبلنا في الحاضر، والمستقبل في القرون القادمة… !
ومن أسوأ مظاهر " الدور الرديء"، هذا التغييب الذي يقوده الإعلام المرئي في القنوات العربية المتصهينة، وكذلك قنوات الإثارة التجارية التي تشل وعي المواطن العربي طيلة أربع وعشرين ساعة، بتقديم الأخبار عن الحرب، وكأنها تجري في المريخ، وارهابه بالتحليلات السخيفة في معظمها، واستدعاء التبريرات الفجة، والرديئة لبعض المحللين السياسيين، و العسكريين، وقول أكبر الاستنفاعيين منذ طوفان الأقصى، خلال ظهوره المتكرر، وتحليلاته ذات الخلفية المشتركة مع نظامه السياسي عن " الهلال الشيعي"، وسدانة مؤسسته العسكرية، لذلك حين تحدث عن العدوان الصهيوني على قرى وبلدات الجنوب اللبناني، فقد برره باسلوب حقير، قال : - هذا المعتوه في وعيه البائس، وتحليله التافه - " استهدفت المسيرات العسكرية الإسرائيلية سكان الجنوب اللبناني، لأنهم من الشيعة.." !!
وأقل رداءة من هذا الدور الرديء الوظيفي في الوعي النخبوي، ما بدر من من نخب الأمة العربية، كتلك الندوة الإعلامية التي شاهدناها قبل يومين في برنامج قناة إعلامية معروفة، وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي من مشرقة إلى مغربه،، وفي الندوة دار النقاش الذي قتل وقت المشاهد ليستمع من أصحاب المداخلات في أحاديث أقرب إلى الأنس، واسترجاع الذكريات للعجزة، في دردشة هادئة، كانت خالية من الانفعال، احرى التفاعل مع الأحداث، لذلك جاء الدور على كل واحد بانسياب في التعاطي، و المشترك بين الجميع، هو "الوعي اللامبالي" في النقاش حول الاختلاف في المواقف بين تيارين سياسيين من تيارات" الإخوان" المرحعية للإسلام السياسي، ذلك الحزب الأممي، هو الآن يتحلل إلى القطرية، لتوسيع دائرته الطائفية، والعشائرية، والقبيلة في تنازل مهيض.
وقد بقيت التيارات الإخوانية الأخرى مجهولة المواقف من الحرب الكونية في الوطن العربي، ولكن سنعلم بحزن مواقف كل الاحزاب بمختلف اتجاهاتها، وسيأتي الحديث عنها في وقتها، ربما في ندوات لاحقة لذات القناة، وعلى الشفاه المرطبة لتلك النخبة المذكورة، نظرا لأهتماماتها التجارية ليس إلا،، وكذلك لإستحضار الدور الرديء للإخوان الذين نسى البعض انهم في حالة " الإنعاش" قبيل الموت السريري بعد سقوط احزابهم في المغرب، وتونس، ومصر، بينما الباقون إلتحقوا بالثكنات الداعشية في سورية المتأسلمة رغم أنف الأمة العربية التي بقيت تتفرج على المسرح السوريالي، لينحصر الدور على الثالوث: المتأسلم بالدواعش، والأردوغانية الحربائية، والاحتلالي الصهيوني لجنوب سورية، وتدمير مقدراتها..!
فالندوة في دردشتها لم ترجع المواقف الى الواقع السياسي في الوطن العربي، لفهم أسباب الاختلاف بين تياري الإخوان: المصري، والسوري من الحرب التي اشتركت فيها الجمهورية الإسلامية في إيران مع غياب دور الأمة العربية المنتظرة قياداتها" نعاجها" على شاطئ " رفح" طيلة ستمائة يوم، وذلك من اجل إنهاء المجرم "النتن إياه" لإبادته الجماعية لأهلنا في غزة، و فلسطين دون أن تدرك أمتنا، أنها تحت نيران الحرب العالمية الكونية التي، تقدم في المحافل الدولية على أنها " العمل الخبيث الذي يقوم به الكيان الصهيوني بالنيابة عنا - ألمانيا، والغرب - " على حد تعبير رئيس الحكومة الألمانية للمجرمين…
لكن ماذا انتهى إليه حديث أصحاب الدردشة من جهة تحديد مواقفهم من وعي الإخوان، الحزب المركزي للإسلام السياسي: الأممي، الطائفي، القطري، العشائري، القبلي..؟
قال أحد الوجوه المعروفة في الندوة: إن إخوان سوريا، ضد إيران في هذه الحرب، ولم يصرح بأنهم أيدوا الكيان الصهيوني تلقائيا نظرا لموقفهم المعادي للجمهورية الإسلامية في إيران لمساهمتها في صد حرب الدواعش، والإخوان، وأكراد أمريكا الانفصاليين، وكلهم كانوا مناهضين للدولة السورية قبل اسقاطها..
بينما أسترجع غيره من المشاركين لتبرير موقف الإخوان - في مصر - المؤيدين للجمهورية الإسلامية، ليس على أساس خطورة الحرب على الأمة، بل على أساس موقف ابن تيمية " المساند للخوارج، والروافض في الحرب على الصليبيين"..!
لكن صاحب المداخلة، تناسى، أن ابن تيمية، هو مرجع فكري وسياسي للوهابيين، والسلفيين.
والسؤال الموجه للقراء ، هو: متى أصبح الإخوان، وهابين، وسلفيين على عهدي محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد ..؟
هل لأنهم تأثروا بفتوى القرضاوي في استدعاء الكافر، والاستقواء به في حرب أمريكا على الكويت والعراق.سنة ١٩٩١م.
فمن يعرف من القراء الكرام " فليدندن، ويكتب لنا مداخلته " - على حد تعبير الدكتور أسامة فوزي في صوتياته -
والمعروف حتى الآن، أن الإخوان حزب اسلامي أممي عابر للوعي في مجتمعات الأمة الإسلامية، وغير الإسلامية، كما في أوروبا، وامريكا، وكندا، واستراليا ،،،
كما أن المراجع الفكرية للحزب الأممي، عديدة، كتعليمات - حسن البنا رحمه الله -، و الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - قبل انعزاله عن جماعة الإخوان نظرا لإختراقهم بعد اغتيال حسن البنا، كما علل ذلك في كتابه شبه المحظور ..
أما المفكران اللذان أسسا لتيار " الصقور" كالقاعدة، والداعشية العراقية، و السورية،، فهما " قطب"، و" عزام"، فالاول: كفر الأمة الإسلامية، بإرجاع مجتمعاتها إلى ما قبيل البعثة المحمدية،،
والثاني: قاد الشبيبة العربية، والإسلامية في حرب( الأمة الإسلامية) لتحرير افغانستان، وذلك من أجل اسقاط النظام الأشتراكي الماركسي،، وهو بذلك قد أجل إلى حد الآن معركة الامة الإسلامية في مواجهة الكيان الصهيوني، وتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين..إلى أن جاء محمد الجولاني، ليعلن اكثر من مرة، كما وزير خارجيته، أن نظامهما لن يهدد الكيان الصهيوني، إنما أوصي الجولاني الوزير الأردني الزائر للتهنئة، على مشايخه في الأردن..الأمر يشير إلى أنه سيصبح أداة لإسقاط النظام السياسي في الأردن، فيجد الكيان الصهيوني مبررا لاحتلال الضفة الشرقية، وضمها للضفة الغربية، ويفرض تسلسل الاحداث المتوقعة، أن نسأل : ليس هل سيصبح الجولاني ...بل متى يصبح محمد الجولاني، الوصي على المسجد الأقصى قبل هدمه، بدلا من الهاشميين في الأردن..؟
" الدور الأنهزامي الرديء" ..(٢) / د . إشيب ولد أباتي
