دور ريادة الأعمال الشبابية في التنمية المستدامة: حالة موريتانيا

دور ريادة الأعمال الشبابية في التنمية المستدامة: حالة موريتانيا

تُعتبر ريادة الأعمال الشبابية من القضايا المحورية في النقاشات الأكاديمية المتعلقة بالتنمية المستدامة، حيث تمثل إحدى الوسائل الأساسية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية. ويحتل الشباب في موريتانيا مكانة ديموغرافية متميزة، إذ يشكلون غالبية سكانية تعكس إمكانات هائلة غير مستغلة بشكل كامل. غير أنّ هذه الفئة تعاني من معدلات بطالة مرتفعة ونقص في فرص الاندماج الاقتصادي، مما يجعل من تعزيز ريادة الأعمال لديهم ضرورة استراتيجية لتحقيق النمو الشامل والمستدام.

1. مفهوم ريادة الأعمال
تُعرف ريادة الأعمال بأنها القدرة على استثمار الأفكار والموارد في ابتكار مشاريع اقتصادية أو اجتماعية قادرة على خلق قيمة مضافة. وتشمل هذه العملية روح المبادرة، القدرة على الابتكار، وتحمل المخاطر من أجل تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية.
2. الشباب والتنمية المستدامة
يُنظر إلى الشباب كعامل رئيسي في تجديد الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، لما يتميزون به من ديناميكية وقدرة على التكيف مع التحولات التكنولوجية والعالمية. وفي سياق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، يمثل تمكين الشباب أولوية لضمان العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق.
3. العلاقة بين ريادة الأعمال والتنمية المستدامة
تشكل ريادة الأعمال الشبابية أداة عملية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال:
البعد الاقتصادي: خلق فرص عمل جديدة وتنويع مصادر الدخل.
البعد الاجتماعي: تعزيز الإدماج الاجتماعي وتحقيق المساواة.
البعد البيئي: دعم المبادرات الصديقة للبيئة عبر مشاريع خضراء مبتكرة.
واقع ريادة الأعمال الشبابية في موريتانيا
1. الوضعية الاقتصادية والاجتماعية
تشير البيانات السكانية إلى أنّ أكثر من 60% من سكان موريتانيا هم من فئة الشباب، وهو ما يشكل رصيداً بشرياً كبيراً يمكن أن يُوظّف في تنمية البلاد. غير أن الواقع يكشف عن ارتفاع معدلات البطالة وضعف البنية التحتية الاقتصادية.
2. المبادرات الحكومية والمؤسساتية
أطلقت الدولة الموريتانية برامج متعددة لدعم ريادة الأعمال، من بينها مبادرات وكالة "تآزر" ومؤسسة "كنان"، إضافة إلى برامج تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. غير أنّ هذه الجهود ما تزال دون مستوى التحديات.
3. دور القطاع الخاص والمجتمع المدني
ساهمت بعض المؤسسات الخاصة والمنظمات غير الحكومية في إنشاء حاضنات أعمال وتقديم تكوينات لفائدة الشباب، إلا أن محدودية التمويل وضعف الشراكات الدولية لا تزال من أبرز العوائق.
4. التحديات الرئيسية
ضعف التكوين الأكاديمي والمهني في مجالات ريادة الأعمال.
محدودية الوصول إلى التمويل.
غياب البنية التحتية الرقمية المتطورة.
العوائق الثقافية المرتبطة بالاعتماد على الوظيفة العمومية كخيار أولي.
ريادة الأعمال الشبابية كآلية لتحقيق التنمية المستدامة
1. البعد الاقتصادي
تساهم المشاريع الشبابية في تقليص البطالة، تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد المفرط على الصيد والتعدين، وتشجيع الابتكار في القطاعات الإنتاجية.
2. البعد الاجتماعي
تدعم ريادة الأعمال الشبابية الإدماج الاجتماعي عبر خلق فرص متساوية، وتشجيع مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية.
3. البعد البيئي
بدأت تظهر مبادرات شبابية في مجالات إعادة التدوير، الطاقات المتجددة، والزراعة المستدامة، وهو ما يعكس وعياً متنامياً بأهمية البعد البيئي.
دراسة حالة موريتانيا
1. نماذج ناجحة
شهدت السنوات الأخيرة بروز شركات ناشئة شبابية في مجالات التكنولوجيا، التجارة الإلكترونية، والزراعة العصرية، استطاعت أن توفر فرص عمل وتساهم في إدماج اقتصادي أوسع.
2. ريادة الأعمال النسائية
تُعد النساء ركيزة مهمة في المشهد الريادي بموريتانيا، حيث ساهمن في تطوير مشاريع صغيرة في مجالات الحرف التقليدية، الزراعة، والخدمات الرقمية.
3. الأثر التنموي
رغم محدودية النطاق، إلا أنّ هذه المبادرات كان لها أثر ملموس في تحسين مستوى المعيشة، خلق وظائف جديدة، وتعزيز قيم الابتكار والإبداع في المجتمع.
التوصيات
إدماج التكوين في ريادة الأعمال ضمن المناهج الجامعية والثانوية.
إنشاء آليات تمويل ميسرة مع ضمانات موجهة للشباب.
تشجيع الابتكار الرقمي عبر دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
تعزيز ريادة الأعمال النسائية من خلال برامج خاصة بالمرأة.
بناء شراكات بين الدولة، القطاع الخاص، والمنظمات الدولية لتهيئة بيئة أعمال ملائمة.
خاتمة
يمكن القول إن ريادة الأعمال الشبابية تشكل أداة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في موريتانيا، إذ تسهم في تحفيز الاقتصاد، الحد من البطالة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، إضافة إلى دعم التوجهات البيئية الحديثة. ورغم التحديات المتعددة، فإن الإرادة السياسية والوعي المجتمعي وتكثيف الجهود المؤسسية قادرة على تحويل هذا القطاع إلى رافعة أساسية لبلوغ أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030.

سعد بوه ولد بيان