الملاحظات الاولية على مقال المختار الغوث../ إشيب ولد أباتي

إشيب ولد أباتي / الملاحظات الاولية على مقال المختار الغوث.. شكرا جزيلا للعلامة الباحث [ المختار الغوث ] على مقاله العلمي الذي أسس به لبحوثه النظرية التي أطر لها بتحديد المفهومين في علم الأناسة( الأنتروبولوجيا)، وقصدت بالمفهومين، كما في عنوان المقال، ثنائية " الهوية/ ثقافة" باعتبار الأول موضوعا، والثاني محمولا - بلغة المناطقة - ولو أن القارئ غير المتخصص سيفهم من الهوية التعبير الرمزي عن الجنس البشري حامل الثقافة، وفي هذه الحالة سيراوح الفهم بين حاصل التحديدات في مجالي علم الأناسة علم الآثار - الانتنولوجيا- و علم الثقافة الاجتماعية - والانتروبولجيا -، ولعل هذا يشكل بلبلة في فهم القراء غير المتخصصين.. لكلا - المفهومين- فضلا عن التبادل الوظيفي في القراءة العكسية، إذ الموضوع اتضح = " الحامل" ، والمحمول = الموضوع..وهذه المفارقة في العنوان، تختفي في التناول الواعي في تعريفات الثقافة التي ترجع من حيث الاسس والخصائص والقيم الى الاتجاهين :" الانتشاري"، و " المركزي" .. وكذلك الامر في الخواص الجينية" البيولوجية " المميزة تارة بين الاجناس، والمتداخلة في الأغلب عبر التمازج الناتج من "الزيجة"، والتساكن، والتأثير البيئي على الساكنة ، ولتكن" العينة" عن المصريين في الانتنولوجيا الذين أظهرت ملامحهم الخارجية- الأنف المصري على سبيل المثال - الى أصولهم الافريقية.. وفي تحديد هوية الموريتانيين في تعريفهم ب"البيضان"، واليوم انضاف اليه، المفهوم " الخضر"، كلون مميز لغلبته بين الموريتانيين، فهل هو مفهوم ذهني انتقائي في الألوان، او هو تعبير عن كشف للعلاقة بين الوصف، والموصوف الموريتاني،،؟ ولماذا نبتعد بالبحث النظري حين نتجه إلى "نحت" المفاهيم عن الجذر اللغوي للصفات التي ترجع في اللغة العربية الى ميزانها الأحادي من جهة اللا تفضيل في " افعل"، ولذلك فلا تفاضل بين ابيض من اسود، واخضر من اصفر، واحمر من اسمر.. بغض النظر عن اسقاط الألوان على عدسة الناظر، وحاملها الثقافي كقيم جمالية، و تقبيحية عند المعياريين في الدراسات لدى بعض البحاث " الآريين"، وتغليب مفاهيم كالحاميين والساميين، واليهود، وهذا القاموس يشف عن مدى الابتعاد عن روح البحث العلمي، والانسياق في متاهات الأطر الدينية ..فهل الباحث العلمي مطالب بعرض ترهاتهم.. ههه؟ وهناك استدراك، يأتي للفت الانتباه، وليس بقصد التصويب، لأن الباحث أكثر اطلاعا مني من خلال مرجعيات مقاله القيم... والسؤال هو ، ما المبرر لإقصاء مفهوم، متداول في الكتابات الفرنسية السابقة، والموريتانية التابعة لها، ولكنه مفهوم عربي تناوله ، اول فيلسوف عربي في اوجه النهضة العربية الأولى في القرن الرابع الهجري، واقصد به الكندي فيلسوف العرب، ففي رسالته الثامنة - على ما اعتقد - التي حدد فيها كلا من مفهومي " البيضان"، والسودان"، وارجعهم الى الصفات اللونية الغالبة لساكنتي البلاد التي جمعت عناصر مختلفة، وانتج تفاعلها مجتمعا" مركبا" - إن صح التعبير - من العرب والأفارقة، لأن علاقة التزاوج بينهما، أعطت مجتمعين تميز باللون المميز للجيل السادس، ونسله. وهو اللون الذي يميل الى البياض، و استدعي الى اشتقاق مفهوم " البيضان" واخلاقه على ساكنة بلادنا حيث راج تداول هذا المفهوم، وكذلك الأمر بالنسبة لمفهوم السمرة، أو السواد الفاتح " السودان" متى راج تداول المفهوم على ألسنة الناس في " السودان"؟! ولذلك فعمومية المفهوم المتداول في تحديده للهوية العامة، ربما يكون قد اتخذ دلالته من ( ١) المظاهرالخارجية، و (٢) السلوكية، و (٣) القيمية المعبرة عن الذوق، والخصائص في المواضعات لمجتمعنا.. ومفهوم" البيضان" لا يقصي مفهوم" الموريتانيون الخضر"، كما أن الأخير لم يشر إلى اقصاء الأول، لذلك فلا تناقض، ولا تنافي، بينما لأنهما استخدما لتخصيص" المخصص" للهوية العامة وتفرعاتها انطلاقا من الألوان المعبرة عن طيف من فئاتنا الاجتماعية...وهذا بحث ممتاز، ويعبر عن مجهود فكري رائع..ويحمد للباحث [ المختار الغوث].. وسأهتم بما يكتب من بحوث، يشوق لقراءتها، هذا المنجز الفكري الذي استمتعت به في مقاله اعلاه... ولعلها قراءة استدعت مني تسجيل الانطباع فحسب، و أردت أن يكون محصورا في حدود الفهم للنص المنتج بابداع معرفي، هو من الاستناج للقراءة السابقة في تخصص الباحث، وليس منفصلا عنها، وهذه من القيم العليا للمعرفة العلمية، لأن العلوم الانسانية، كالعلوم التطبيقية التي يحصل الاكتشاف في مجالها بعد استيعاب كل الأطر الفكرية السابقة لها....وعرضها بشكل يوضح القيمة التأسيسية لما سيقرأ على ضوئه الواقع، مو ضوع البحث...كالذي حصل في المقال الذي عرض لمعظم النظريات في علم الأناسة، فى مجالي علم الآثار- الانتنولوجيا-، وعلم الثقافة الاجتماعية - الانتروبولوجيا - والاتجاهين في الأخير كالاتجاه الانتشاري، والاتجاه المركزي، أو التطور في ذاته… وهذا التطور في الفهم، واستيعاب العلوم الإنسانية، يبعث على الأمل في تنامي أطر النهضة الفكرية التي تستعدي مراحل ثلاثة: الفهم، الاقتباس، و الانتاج الابداعي، الثمرة التي اينعت في تربة فكرية، وأحاطتها الرعاية الكريمة، والجهود المخلصة الجبارة، ولعلي في منزلة دون مستوى التقييم، إنما حصرا، سأعرض لتجربة مرت بي، ومن خلالها، يمكن أن أقارن ذهنيا بين ما كان ينتج من كتابات، يخال لأهلها انهم كتبوا في مجال الأنتبولوجيا، وما هي من الانتروبولوجيا في شيء، ولا هي قراءة اجتماعية،، ولسوء الحظ أن صاحبها رحمه الله تعالى، كان في وزارة التعليم، وعلم أني أقدم حينها لطلاب قسم علم الاجتماع في السنة ١٩٩٩م. مادة الإنسان...ولعله سأل عمن يعرفني من زملائه، فوجد قريبا لي بينهم،، واعطاه كتابه عن " اهل الحوض امراء فقراء"، وطلب مني قريبي أن أقدم قراءة "قيمة"، فاعترضت على التقييم، ووافقت على أن تكون قراءة تزاوج بين الوصف، والتحليل، فاتفقنا على أساس تقديم منتوجه للقراء، وهي قراءة مجانية، وليست مشروطة بأجر، ليكون مقابله الدعاية لصاحب الكتاب... وبعد استلامي الكتاب، كتبت ثلاث مقالات تحت عنوان موحد لها " مجتمع الشمس الحارقة، وثقافة الظل الشاحبة"، وذلك خلال ثلاثة اسابيع، حيث كنت انشر في جريدة " اخبار موريتانيا" مقالا أسبوعيا في كل يوم جمعة. وبعد فترة التقيت بالصدفة مع قريبي في منزله، فسلمت عليه، فاعرض عني، فخرج من منزله، فاعتبرت الأمر، يتعلق بهموم رب الأسرة...وتأتي الأيام والتقي به في الخارج، وتحدثنا، وبث لواعجه، وما جنيته على زميله من قراءتي لكتابه... لأن المؤلف رحمه الله، قضى فترة في الحوض مدرسا للغة العربية على ما أظن، وكتب تلك الكراسة التي عبر فيها عن انطباعه تجاه سلوك الخاصة" الأمراء" وجزيل عطاياهم الكريمة، وليس لذلك علاقة بسلوك العامة،، الأمر الذي اقصى فهمه عن فهم السلوك الاجتماعي العام، خلافا لدراسة الحالة التي لا ترقى للنظر اليها ك" عينة" للدراسة، كما أن الخطأ الذي وقعت فيه حسب قريبي. كان في تجاهلي لإهداء الكتاب لرئيس البلاد حينئذ، غير أن مبرري في ذلك أن الإهداء ليس من متن النص.. ودون المقارنة اليوم بين تلك الكتابة السابقة في تسعينيات القرن الماضي، وبين ما كتب في الموقع، كمقال المختار الغوث،، فإن المهتمين بالنهضة الفكرية، سيلحظون معي التطور المعرفي الحاصل في مبحث علم الأناسة،، تحديدا.. والمؤسف من جهة أخرى، هو طفو " الرغوة" الفقاعية التي لا تنتمي الى هذا المستوى من النمو المعرفي، كما تعبر عنها مقالات تنشر من طرف أكاديميين، وهم، كمن يلتقط" البعرة" تعويضا عن " التمرة" وذلك حين كتبوا عن " السحر، والشعوذة"..!