الشيخ باي أحمد الخديم متعاون بالوكالة الموريتانية للأنباء/ يكتب ...

سيدي الرئيس،
دعني أصحبك في جولة لا تُشبه جولات السياسة ولا المواكب الرسمية، بل جولة إلى أعماق إنسان  جولة أحدثك فيها عني.

دعني أروي لك حكاية لم تُكتب في صحيفة، ولم تُعرض على شاشة، لكنها تُروى كل يوم بصمتٍ مبلل بالحاجة، خلف الكاميرات والميكروفونات، في أروقة الإعلام الرسمي الذي ينقل أنين الناس وينسى أن ينقل أنين العاملين به

سيدي الرئيس،
أنا ابن هذه الأرض لم أُولد في قصر ولا تحت أضواء براقة وُلدت على تراب موريتانيا كما يُولد الحب في قلب أم 
بلادٌ بها نيطت عليّ تمائمي... وأول أرض مسّ جلدي ترابها
وأول نسمة داعبت أنفاسي كانت من هوائها
أرضٌ أحببتها بحلوها ومرّها ورضيت بها ومعها رغم ضيق الحال وطول الانتظار.
سيدي الرئيس 
أنا شابٌ موريتاني، يحمل في قلبه طموحًا لا تحدّه السقوف، لكنه يمشي في واقع هشٍّ كأوراق الخريف، تنهشه الفاقة، ويكاد يُسقطه العوز.

أنا اليتيم الذي رحل عنه أبواه مبكرًا، وتركاه بإرثٍ من الكبرياء يمنعنه أن يمدّ يده أو أن أيذلّ كرامته مهما بلغت الحاجة.

أنا الطفل الذي بكى جوعًا فلم يجد ملعقة حليب، ومرض فلم يجد دواء، فنام متوسدًا الأمل.
أنا الأب الذي يرى وجوه أطفاله تذبل، ولا يملك إلا الصبر والدعاء.
أنا الفتاة التي نذرت نفسها لرجل نبيل يربطه بها ميثاق غليظ لكنها لم تجرؤ أن تقول له إن بيت أبيها المتعفّن بالديون لا يحتمل مزيدًا من الأحلام.
أنا الأم التي يُنهكها المرض كل ليلة، وتخفي آلامها عن ابنها شفقة عليه لا ضعفًا منها
سيدي الرئيس
أنا الصحفي المتعاون ذاك الذي يقف خلف المذياع، أو أمام الكاميرا، أو في قاعات التحرير يُعدّ نشرات الوطن، يُرافق أخبار التنمية، يُنقل صوت الدولة، لكنه يظل في الظل.
اسمي يُقال بفخر في الشارع: "إعلامي"، لكن في الدفاتر الرسمية: "متعاون مؤقت".
راتبي لا يكفي حتى لأجرة طريق، ولا لثمن دواء، ولا لخبز يسد الرمق.

تعاقبت عليّ حكومات ورؤساء، ومرت عليّ إصلاحات ومبادرات ولم يُحرّك أحد ساكنًا. كأننا هواء، نُرى ولا يُصغى إلينا، نُستخدم دون أن يُلتفت إلينا.

سيدي الرئيس
حين أصدرتم قرار ترسيم المتعاونين في مؤسسات الإعلام العمومي، لم يكن ذلك قرارًا إداريًا باردًا بل كان لمسة دفء في قلب شتاء طويل، وكان إنصافًا تأخر كثيرًا لكنه جاء.

أتدري، سيدي الرئيس، ماذا يعني هذا القرار حين أنصفتم 1865 متعاونًا  في الحقيقة، أنصفتم أكثر من ذلك:
أنصفتم أمًّا مريضة كانت تنتظر دواء، وأبًا مكلومًا يبحث عن كرامة، وأطفالًا يستحقون فطور الصباح، وبيوتًا طال انتظارها لفرحة واحدة.

سمعتم الصوت الخافت في الزوايا، ورأيتم الجهد النبيل في العتمة، فكتبتم قرارًا واحدًا لكنه حرّر آلاف القلوب.

وهكذا،
لم يكن قرار ترسيم 1865 متعاونًا في مؤسسات الإعلام العمومي مجرّد إجراء إداري،
بل كان لحظة إنسانية تختصر وجع سنين، وبارقة كرامة أضاءت عتمة الحاجة.

قرار تحوّل فيه رقم إلى أثر
مئات الأسر استعادت أنفاسها، وآلاف الآباء والأمهات والأطفال والمرضى عادوا يبتسمون في كل شبر من أرض موريتانيا.

إنه قرار يعبّر عن أكثر من تسوية وضعية،
إنه اعتراف بالإنسان، وردّ اعتبار لمن خدموا في الظلّ، وكانوا للوطن صوتًا لا يُكافأ.

قرار عمّت به الفرحة وترجمتها الوجوه قبل الكلمات

فحقّ لنا أن نقول: باسم كل "أنا" كانت تائهة،
باسم كل صوت متروك خلف الستار:
على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائم
وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارم
وتعظم في عينِ الصغيرِ صغيرُها
وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائم.
الشيخ باي أحمد الخديم متعاون بالوكالة الموريتانية للأنباء