آلاَّدْجِي. ...ا الدهماء

آلاَّدْجِي.
...ا
كان من أعيان الحياة الشعبية الگصراوية، سيّدٌ خُلاسي، مَرح، طيّب المعشر، يعمل موزعا للإسعاف في خيمة الهلال الأحمر المحاذية ل"امريصت لحموم"، عامل بسيط، لكنه قوي الحضور لدرجة "اشْياخه"،.. تآلف لسنوات عديدة مع الساكنة وكسب قلوبهم بسخائه،.. يُغدق على الأطفال بسكويت البيض وعلب Corned-beef (لحم البقر المصبَّر)،.. يداعبهم وينسبهم لأمهاتهم إِنْ ناداهم، فهو صديقهن، يَمنحهن الصابون والزيت ودقيق العدس الأصفر وسفتي.. فغنم حُبَّ الجميع..

يُعِّمرُ الرجل مسجد بداه غَربًا في صلواتِ نهاره، في جلبابٍ نظيف وطاقية مزركشة ومسبحته كبيرة، وبسمت الوقار ذاك والتدين، استحق من الجيران لقب "آلاّدجي"، أي الحاج،.. مع أنه لم يعتمر ولم يحج،.. أمَّا في الأوقات التي يكون فيها "امَّنْضِي"(سكران)، فيكون قد أمضى ليلته في "بَارْ كايْتَا" شَرقًا، فهو مُعاقرٌ جيد للكِيفْ، وشِرِّيبٌ مُحترف، وفي طريقه نحو بيته سَيَهتِفُ به كل من مرَّ به مُداعبًا " soûlo"،  إلى أنْ يصحو في الغد، فيتسمَّى من جديد آلاّدجي..

آلاّدجي، له ابنة جميلة، غُرم بها فرنسيّ من عُمّال شركة "لاكومب" التي كانت قُرب محطة النقل القديمة، يتواعدان في العلن، وفي السنيما وفي البيت،.. خليلُ الابنة كريمٌ مع والدها، يمنحه هِباتٍ وهدايا وما تيسَّر من السُّلافة، ممَّا جعله يَصرف النظر عن مقدم الحفيد،.. لكنه ظل يكرِّرُ أن زواجهما "مايْجِي اعلَ راصُو" لحُرمته شرعًا ما لم يُسْلم النَّصراني، الذي لن يُسلم طبعا!

يسهر أبناء آلاّدجي ورفاقهم في البيت ككل الشباب، وفي الأيام التي يستيقظ فيها الحاج بكامل وعيه، يَحْرِمهم من نوم الصَّبيحة، بدعوى أنَّ الإمام بداه، قال إنِّها مُعطِّلة للرزق، فالحاج في هذه مُمْتَثل لوعظ الإمام، فعَنْ تجربة إذا نامها شخص في بيته، "ما يَجبر يَومُو ذاك باش إكِرْ بُوشْ في البارْ، ولا باشْ يِبْرِمْ اجْوينه من يَامْبَا"،.. وهذه أرزاقٌ تهمُّه. 

كان على آلاّدجي تحصيل مظلّة روحية تُطَهِّرُ يومه من دَنس ليلهِ، وتُحصّنه من شغب الأطفال حين يترنَّح مساءً، فاهتدى إلى ادِّعاء التَّخاطر الرُّوحي مع "الصَّالحين" (سُكان مقبرة لكصر)، وصار ينقل عنهم بعض الرسائل والطلبات لذويهم من الأحياء!.. وبما أن الغالبيّة من البُسطاء لا تكترث كثيرا لإيمان الحاج، قَدْرَ اكتراثها لمساعدات "الهلال" ولجديد بَلاغاته عن موتاهم، تغاضوا عن زلاَّته،.. بل اعتبروه ضمنيا "مصروفْ عن ظاهرتو، وامْعاهْ شِي صلاح"! .. حتى ولو سَكَرَ علنًا، "فما ذنبُ العِنَب بما يَفعله النَّبيذ".

هذا باط..
ومازالت روح المرحوم "الحاج" تتوالد وتحل في غيره.. تذكَّرتُ الترويج لشيّات من الصّلاح،.. وتذكّرتُ جمعيات إفطار الصائم، لاَ هي اتْعود ما اتخلي حدْ يرگد الْها الصَّبيحة ظَرك بتوقيت الخليج.

تحياتي.